فاتورة الكهرباء.. ورسوم البلدية

 

د. عبدالله باحجاج

لم يكن الكثير، وربما الأغلبية، تعلم أن بلدية مسقط تفرض رسومًا على استهلاك الكهرباء، إلّا مُؤخرًا بعد تداول قرار البلدية بتحديد رسوم إضافية على استهلاك فاتورة الكهرباء، وقد سارعت البلدية إلى تقديم توضيحات سريعة، وجدنا فيها إقرارًا بذلك، لكن بررته بالقِدم، وأكدت فيه أنها لم تقم بإضافة أو تعديل الرسوم القديمة، وهي:

- استهلاك كهرباء أقل من 25 ريالًا، قيمة الرسم 0.5% من قيمة الفاتورة.

- استهلاك كهرباء من 25- 50 ريالًا، قيمة الرسم 1% من قيمة الفاتورة.

- استهلاك كهرباء أكثر من 50 ريالًا قيمة الرسم 2% من قيمة الفاتورة.

هذه الرسوم الإضافية يدفعها المستهلك ضمن الفاتورة، وشركة الكهرباء تحوِّل الرسوم إلى البلدية حسب الاتفاق فيما بينهما. هناك مجموعة تساؤلات نطرحها، أبرزها:

- لماذا يتم الآن إثارة هذا القرار القديم؟ علمتنا التجربة في بلادنا، أنَّه تكون وراءه مجموعة أهداف، من أبرزها تهيئة الرأي العام لقرارات جديدة أو معرفة مواقفهم مُسبقًا، وفي حالتنا قد يُنظر لاستدعاء قرار بلدية مسقط (صدر سنة 2003) لدواعي التعميم، وقد يُنظر لرفع حصة البلدية رغم تأكيدها في بيان توضيحها أنها لم تقم بإضافة أو تعديل الرسوم السابقة، لكنها لم تشر إلى عدم المساس بها.

- هل هناك مبرر واقعي الآن لاستمرار هذه الرسوم بعد انتهاء حقبة دعم الحكومة للكهرباء، ولم تعد إلا لفئات محدودة؟ وهذه حجة نُعلي من شأنها هنا، فلماذا لا تقتطع البلدية هذه الرسوم من الشركة عوضًا عن تحميلها المواطن/ المستهلك، المؤسسات/ المستهلكة؟

- هل ستتبنى بقية البلديات الأخرى قرار بلدية مُحافظة مسقط؟ ربما تترقب البلديات الأخرى الموقف الاجتماعي من انكشاف حصة بلدية مسقط في فاتورة استهلاك الكهرباء في محافظة مسقط، ولن نستبعد التعميم في ضوء مرحلة الجبايات التي يُراد لها أن تصبح مصدرًا أساسيًا لتمويل نفقات الدولة، والتي تجعل من كل بلدية تعمل على فرض رسوم على خدماتها، بعدما أصبحت الرسوم ضمن مصادر دخل كل مُحافظة وفق قانون المحافظات الجديد، ولنا في فرض رسوم على مواقف بعض البلديات نموذجًا لموجة مقبلة من الرسوم.

إذا ما سلمنا جدلًا- أي دون نقاش- في مسار الجبايات رغم وجود ثروات سيادية، بعضها كالنفط يُعاد تجديد عصرها الذهبي- ولو مُؤقتًا- وهذه الوقتية يتسع زمنها بحيث أصبحت موازنات الدول النفطية تئن من السيولة المالية الضخمة، وكل المؤشرات تكشف طول الفترة الزمنية للعصر الذهبي للنفط، وأخرى- أي المصادر- تظل في شبابها الذهبي الدائم كالغاز، وأخرى تتكشف أهميتها من توجهات العالم الجديدة، كالاقتصاد الهيدروجيني واقتصاد اللوجستيات.. إلخ.

- لماذا الاستفراد بفرض الضرائب والرسوم وتحديد قيمتها وغرضها التنموي؟ فمن بين أهم شروط فرض الضرائب والرسوم إشراك المجتمع من خلال ممثليه في مجلس الشورى والمجالس البلدية، والحكومة من خلال أُطرها المركزية واللامركزية، في فرض الضرائب والرسوم، وتحديد قيمتها، ومجالات الاستفادة منها؛ لأنَّ وراؤها اقتطاعًا إجباريًا من دخول المجتمع المتفاوتة، والتي تميل أغلبها إلى المحدودية، وتؤسس منظومة الدخول على الحدود الدنيا.

ولدينا إحصائية حديثة عن حجم المرتبات في القطاعين الحكومي والخاص، نستدلُ بها هنا، كما يمكن الرجوع لمقال "معضلة الرواتب" لكاتبه حيدر اللواتي المنشور في جريدة الرؤية في 22 أغسطس 2022، ومن خلالها سنقفُ على مدى قدرة الرواتب على تحمل صدمات الضرائب والرسوم، إذا لم يُكبح جماحها بالشراكة المجتمعية، خاصة وأنها- أي الضرائب والرسوم- يُراد منها تمويل أهم أدوار الدولة الأساسية كالبنية الأساسية والتعليم والصحة.. إلخ.

فما دامت هناك مجالس يُنتخب أعضاؤها من المجتمع عبر صناديق الانتخابات الحرة، فلماذا لا تشترك هذه المجالس في صناعة قوانين الضرائب وقرارات الرسوم؟ والشراكة هنا حتمية، حتى تكتسب صفة الإلزام المجتمعي شرعيتها؛ لأن هذه الشراكة ستراعي الاتفاق على مجموعة مبادئ أساسية ذات صبغة وطنية، وستسلم أو من عدمه على مسار الجبايات بالحجج المالية والاقتصادية، وستعمل مع الحكومة بفكر مشترك. ولذلك نسأل: هل وجوبية الضرائب ومنظومة الرسوم يمكن اعتبارها من بين مصادر الدخل الأساسية من الآن أو مستقبلًا في أسوأ الاحتمالات؟ أم أن دوافعها تعزيزية، وكذلك لمُراعاة العدالة فيها، ومدى قدرة المكلفين بها، وتأثيرها السلبي على حياة المواطنين، ومن ثم دورهم في إيجاد شبكة حماية اجتماعية محكمة للمتضررين منها.

إنَّ استفراد الجهات الحكومية المركزية واللامركزية لوحدها بتحديد الضرائب والرسوم وفرضها وإنفاقها، لم تعد مبرراته قائمة، وهي ليست من موجبات العلاقة المعاصرة بين الحكومات ومجتمعاتها في عصر الجبايات/ الضرائب، وتلجأ إليها الدول التي لا يتوافر لديها مصادر دخل سيادية وإنتاجية من بترول وغاز ولوجستيات وزراعة.. إلخ.

يقينًا أنَّ الكل سيقف مع التحديات المالية التي تواجهها البلاد، لكن الاختلاف الإيجابي الذي قد يحدث، سيكون حول الخيارات المُمكنة التي تمليها مصلحة استقرار المجتمع والدولة، فلو سلَّم كل الأطراف بحتمية الضرائب، سيكون الحديث حول أي نوع من الضرائب يمكن أن يخدم الوطن بمسببات عقلانية مقنعة، ولنا مثلٌ في ما أكده أحد كتاب جريدة الرؤية في مقال قبل أن يصبح وزيرًا لتأييده لضريبة الدخل؛ باعتبار أنها أكثر إنصافًا؛ لأنها تؤخذ من الأغنياء ولا يتأثر بها الفقراء، ومُفضِلًا إياها على ضريبة القيمة المضافة.

وكذلك تفضيل استثمار موارد المحافظات عوضًا عن الإغراق في فكر الرسوم والضرائب، فقانونا المحافظات والمجالس البلدية فيهما مواد صريحة تمنح المحافظين وأعضاء المجالس من العمل سويًا في صناعة مصادر دخل مستدامة وآمنة، وهنا قد لا تصبح الرسوم والضرائب مصادر دخل أساسية للدولة أو للمحافظات، وإنما لاعتبارات أخرى مُهمة، لكن وفق أوعية ذكية.

كل شيء عن طريق الشراكة يُمكن قبوله، والأهم هنا، أن بوصلة الخلاف أو الاختلاف وتحدياتها لن تكون رأسية وإنما أفقية، ويمكن إدارتها على عكس لو كانت رأسية (الرؤية نكررها من مقالات سابقة)، والمنطق كذلك يتجه مع الشراكة، فلا يُعقل أن تُترك الجهات الحكومية منفردةً دون مشاركة ودون مساءلة ومحاسبة تجبى الأموال من جيوب المواطنين وفق قاعدة السمع والطاعة، فهذه القاعدة قد ولّت في عصر الجبايات، وقد دخلت في تاريخ عصر الرفاه.