أمة تصحيح المسار.. هل تصحِّح المسار؟!

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

يتعرض النموذج الديمقراطي البرلماني لامتحانات عسيرة في عالم متغير تتعرض ثوابته ومسلماته للتشكيك، إثر صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المعادية للقيم الليبرالية ووصول رموزها للسلطة، ما جعل بعض الكتاب الغربيين يشخِّص حالة الديمقراطية بـ"الأزمة".

ولم تفت عن المراقبين لملتقى "أثينا الرابع عن الديمقراطية" ملاحظة جو التشاؤم الذي خيّم على الملتقى؛ حيث اتفقوا على أن الديمقراطية كنظامٍ للحكم في خطرٍ، وأن الليبرالية متمثلة في الحقوق المدنية، وحكم القانون، وحماية الأقليات في وضع صعب، أوساط الأحزاب اليمينية في القارة العجوز ابتهجت  للخروج البريطاني، واليوم هي منتشية لفوز ميلوني زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" ذي الجذور الفاشية، والفائز الأكبر بالانتخابات الإيطالية العامة الأخيرة التي أجريت يوم 25 سبتمبر 2022، وبهذا الفوز يحقق اليمين المتطرف الإيطالي فرصة تاريخية لحكم البلاد منذ 1945، ويأتي هذا الفوز بعد أن حقق اليمين المتطرف السويدي تقدمًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية 11 سبتمبر 2022، ما دفع حازم صاغية أن يتنبأ بأنَّ اليمين سيحكم أوروبا.

هل انتهى مشروع الديمقراطية؟

الشعبوية المتطرفة أكبر معاول هدم النظام الديمقراطي وأخطرها على مستقبله، ويبدو أن الشعبوية إحدى العوارض الملازمة للنظام الديمقراطي، وقديمًا نعى فلاسفة اليونان على ديمقراطية أثينا أنها ساوت أصوات الصالحين وغير الصالحين على حساب الكفاءة، وكذلك كانت نظرة قدمائنا إلى العامة، كانوا يحذرون من مشاركتهم في الشأن العام لأنهم سريعو الانقياد للخطباء الشعبويين الذين يتلاعبون بعواطفهم على حساب المصلحة العامة.

وتأتي انتخابات الكويت في ظل 3 متغيرات :

  1. المد الشعبوي الذي يحتل المشهد السياسي العالمي ومخرجات انتخابات الكويت لن تكون بمنأى عنه.
  2. تراجع ثقة شعوب العالم في البرلمانات (سجل الاتحاد البرلماني العالمي).
  3. نجاح النموذج الفردي في تحقيق تنمية وازدهار لمجتمعاته (الصين، الخليج، الاتحاد الروسي، تركيا).

والآن.. هل يكون المجلس الجديد قادرًا على إحداث التغيير؟

سؤال يشغل الساحة الكويتية، وبين يدي قراءات، أبرزها: قراءة الدكتور محمد الرميحي "قراءة نقدية في نتائج الانتخابات الكويتية"، قراءة يغلب عليها التفاؤل والإيجابية؛ حيث يرى أن المخرجات أفصحت عن بدايات للمجتمع المدني، وأن القول بتقدم المعارضة غير دقيق، ومثله القول بفوز مجموعة متشددة، لأن المجتمع الكويتي ينبذ تاريخيًا التزمت والتطرف.

وقراءة الدكتورة موضي الحمود "كيف سيكون الأمر في القاعة"، وهي قراءة يغلب عليها الأمل والثقة، فالمجلس أمام تحدٍ كبير، وهو تراجع الثقة الشعبية بالبرلمان (عالميًا)، لكنها تثق بقدرة المجلس على التناغم مع جهود القيادة في "تصحيح المسار".

وقراءة الأستاذ عبدالله بشارة "الانتخابات القادمة ومصير البرلمان"، والذي كتبه قبل الانتخابات؛ حيث يرى أن الشراكة التضامنية (بين السلطتين) جوهر الدستور، وأساس فاعلية البرلمان، ويبدي خشيته في حالة عودة المعارضين السابقين  واستمرار التأزم مع تصاعد المبررات الضاغطة لتجميد العمل البرلماني.

وقراءة الأستاذ سامي النصف "بيزنطة الجديدة"، والتي تفيد بأنه إن لم يتحقق التعاون بين السلطتين بدلًا من التعارك هذه المرة، فعلينا الاعتذار المسبق لأجيالنا القادمة.

وقراءة الدكتور حامد الحمود "ماذا ستكون أولويات النواب الإسلاميين؟"، والذي يبدي من خلاله خشيته من أن يشغل "التكتل الإسلامي" المجلس بأجندة "الأسلمة".

وقراءة الاقتصادي عامر ذياب التميمي "الإصلاح ونتائج الانتخابات"، وهي قراءة تنتقد نظام الصوت الواحد وتقسيم الدوائر الانتخابية، آملًا قيام المجلس بدور إصلاحي فاعل.

وأخيرًا قراءة الكاتب أحمد الصراف "قراءة ليبرالية في نتائج الانتخابات"، وهي قراءة صادمة للقراءات السابقة، خلاصتها أن المخرجات كارثية أفرزت مجلسًا "طائفيًا قبليًا وأصوليًا".

فما قراءتي؟

قراءتي تقوم على أنَّه عندما تغيب الحكومة عن "هندسة الوضع الانتخابي" في مجتمعاتنا التي لم يتحقق فيها صهر مكوناتها بعد، تحضر التضامنيات العصبوية بقوة، ويملك الخطباء الشعبويون الساحة.. أمة تصحيح المسار بتركيبتها من كبار الرموز الشعبوية الذين حصدوا أكبر الأصوات، تعكس بصدق تضامنياتها وممثليها. والمجلس الشعبوي، كثير تقلباته، صعب ضبط إيقاعه، يتعذر توقع أدائه .

ويبقى.. احترام خيارات الشعب وتهنئة الشعب الكويتي والتمني بتصحيح المسار.

** كاتب قطري