مستوى الطموح ورؤية "عُمان 2040"

 

د.سالم حواس العامري

الطموح هو المحرك الأساسي لنجاح الفرد والمجتمع ولا يسعى للنجاح من لا يملك طموحًا، وهو رغبة شديدة في المجد، في نيل العلى، في كل ما يعلى اجتماعيا أو فكريا، ويُعرف مستوى الطموح بأنه المستوى الذي يرغب المرء في بلوغه أو يشعر أنه قادر على بلوغه أثناء تحقيق أهدافه في الحياة وإنجاز أعماله اليومية، وقد حثَّ ديننا الحنيف وشجع على طلب الطموح، يقول صلى الله عليه وسلم "إذا سألتم فاسألوا الفردوس الأعلى من الجنة".

والطموح مطلب كل فرد ومجتمع يرغبُ في تحسين أوضاعه الحالية، فبقدر ما يكون الطموح مرتفعاً بقدر ما يكون المجتمع متقدماً، والمجتمع الطموح لا يرضى بمستواه ووضعه الحالي بل يعمل دائماً على تحسين وضعه ويضع خططًا مستقبلية لينتقل إلى مستوى أعلى ونجاح جديد ويرسم الخطوات المناسبة للوصول إلى هدفه ولا يستسلم للظروف أبدًا في تحديد مستقبله ويستحضر المنافسة والمغامرة وتحمل المسؤولية في أي خطوة يقوم بها وعليه خلق فرص جديدة تساعده على الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ولا يستعجل ظهور النتائج ويستفيد من التجارب السابقة لتكون نقطة انطلاق لنجاح جديد.. وتختلف مستويات الطموح من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر، فطموحات آبائنا كانت بلا شك مختلفة عن طموحاتنا الحالية، وكذلك الحال بالنسبة إلى طموحات أبنائنا، وطموحات الشعوب المتقدمة تختلف اختلافا جذريا عن طموحات الشعوب الفقيرة أو المتخلفة، فالأولى ينشدون مستويات عالية من الطموح تتميز بمزيد من الرفاهية والرقي بينما تسعى الثانية إلى تحقيق قدر محدود من العيش والحياة الكريمة كتوفير الغذاء والأمن والسلام والعمل والمساواة وحرية الرأي، وحق التصويت والتعليم، بالإضافة إلى ما يطمح إليه البشر من حماية البيئة من التلوث، والقضاء على الحروب والنزاعات، والتقارب بين الشعوب وغيرها من القضايا الهامة التي تنادي بها كثير من المنظمات المحلية والإقليمية والعالمية.

وتوافر الطموح في كل عمل يعد بداية الانطلاق نحو التميز والريادة، والرؤية بمثابة خريطة طريق واضحة لمستقبل أي مجتمع ينشد الرقي والتطور والتقدم بخطى ثابتة نحو المجد والعُلى، ومما لا شك فيه أن أساس أي رؤية نابع عن طموح نحو التغيير والتحول للأفضل، والمجتمع الذي يرغب في البقاء وضمان مستقبله واستقراره عليه أن يعمل جاهدا على تهيئة أفراده ومؤسساته وإعداد خطة استراتيجية ورؤية مستقبلية على المدى الطويل يستشرف من خلالها المستقبل المنشود ويرسم ملامحه بطموحات عالية وتوليد أفكار جديدة ومبتكرة وإلا لن يبرح مكانه وسيكون في ركب التخلف والدونية أو كما قال الشاعر:

وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَالِ // يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر

والمتتبع للرؤية المستقبلية "عمان 2040" والتي تستهدف السلطنة من خلالها أن تكون في مصاف الدول المتقدمة، فقد اتفق على عدد من الأولويات التي ستقوم عليها الرؤية، كما رُسمت التوجهات والأهداف والسياسات التي تُرجِمت إلى خطط عمل تنفيذية مقيدة بإطار زمني وفق جملة من مؤشرات الأداء المحلية والعالمية التي تمكَن من قياس وتقييم الأداء بشفافية لتكون دليلا ومرجعا أساسيا لأعمال التخطيط في العقدين القادمين وصولا لمستقبل يقوده الطموح في دولة أجهزتها مرنة ومسؤولة، وحوكمتها شاملة، ورقابتها فاعلة، وقضاؤها ناجز، وأداؤها كفؤ، وإعلامها فاعل متجدد يعضدها مجتمع مدني ممكَن. والانتقال بالاقتصاد والمجتمع من مرحلة الاعتماد على الموارد الناضبة إلى مرحلة الابتكار والمعرفة.

ومن خلال قراءة مستهدفات الأداء أو مستوى الطموح في رؤية "عمان 2040" نلاحظ أن أغلب المستهدفات تطمح إلى أن تكون السلطنة ضمن أفضل 10 أو 20 دولة بحلول عام 2040، بحسب مؤشرات الأداء التي وُضِعت من أجل قياس وتقييم الأداء الوظيفي والمؤسسي في مختلف القطاعات، فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير مستهدفات الأداء في أولوية التعليم والتعلم والبحث العلمي بأن تكون السلطنة من أفضل 10 دول في مؤشر تنمية التعليم للجميع، وفي تصنيف QS للجامعات تشير مستهدفات الأداء إلى أن يرتفع تصنيف متوسط ترتيب الجامعات العمانية لتكون من أفضل 300 جامعة ضمن أفضل 500 جامعة بحلول عام 2040.

وعلى المستوى الاقتصادي أن تكون ضمن أفضل 10 دول في مؤشر التطوير الاقتصادي وأن يرتفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 91.6% وتنخفض مساهمة القطاعات النفطية إلى مستوى 8.4% وأن يرتفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 90%. وعلى مستوى القطاع الخاص تكون من أفضل 10 دول في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال.  وفي أولوية الحوكمة تستهدف مؤشرات الأداء أن تكون من أفضل 10 دول في مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر الحوكمة العالمية – الكفاءة الحكومية.

وتشير مستهدفات الأداء أن تكون السلطنة من أفضل 20 دولة في ركيزة الصحة بحسب مؤشر ليغاتم للازدهار، وكذلك الحال في مؤشر التقدم الاجتماعي، ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر مدركات الفساد، وعلى صعيد الأمن البقاء ضمن أفضل 5 دول في العالم في ركيزة الأمن حسب مؤشر التنافسية العالمية.

لا شك أن البقاء ضمن أفضل 10 دول أو 20 دولة على مستوى العالم بحسب مؤشرات أداء عالمية أو محلية تضم مئات الدول إنما هو مبعث فخر واعتزاز وطموح مشرف واستشراف موفق لمستقبل زاهر ينم عن رؤية حكيمة ونظرة ثاقبة من لدن قائد البلاد السلطان هيثم بن طارق المعظم لتكون "رؤية 2040" بوابة السلطنة لعبور التحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتحفيز النمو للوصول إلى المستقبل المنشود، وهو بمثابة طموح مشروع من أجل رفع اسم السلطنة في مصاف الدول المتقدمة وتوفير حياة كريمة للأجيال على مر العصور والأزمان.

ولهذا وجب على الجميع أفرادًا ومؤسسات بذل الجهد والعمل بعزيمة وإصرار لتحقيق أهداف الرؤية المستقبلية والوصول إلى مستوى الطموح المرغوب الذي بدوره سيُعزز من مكانة السلطنة إقليميًا ودوليًا وسيوفر المزيد من ممكّنات الحياة الكريمة لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة، وهو بلا شك طموح مشروع ومستقبل مأمول نظرًا لتوفر مقومات النجاح من إمكانات وموارد طبيعية وبشرية فضلًا عن سمة الإنسان العماني المعروف بالصبر والإصرار والعلم والمعرفة والالتزام والانضباط، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي للسلطنة وعلاقاتها الخارجية المتميزة مع مختلف دول العالم، فلنتقدم بثقة نحو تحقيق الطموحات والتطلعات المستقبلية والله لن يضيع أجر من اجتهد أو أحسن عملا "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ".

تعليق عبر الفيس بوك