مدارس ثانوية بلا معلمين.. وتنقلات خارج القانون

علي بن سالم كفيتان

يحدث في ظفار أن تجد مدارس ثانوية بلا مُعلمين وتنقلات خارج إطار القانون، والأدهى والأمر أن يكون المعلم (أو المعلمة) موجود، لكنه لا يرغب في التدريس في هذه المدرسة؛ بل في مدرسة أخرى رغم أن المسافة بين المدرستين لا تتعدى عدة كيلومترات، ولكي يُحقق هدفه يتغيب عن التدريس ويتفنن في جمع الإجازات الطبية من المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة كورقة ضغط على المدرسة التي يفترض أن يعمل بها وعلى مديرية التربية والتعليم!!

كل هذا حدث وأنا شاهد عليه، ولا حول ولا قوة لمديري المدارس المتضررة، سوى جمع شكاوى أولياء الأمور ورفعها للمدير العام، بينما يظل الطلبة في مرحلة حساسة ومفصلية بلا معلم لمدة شهر كامل فمن المسؤول عن ضياع أجيال في أمس الحاجة للولوج للمستقبل؟ وكبادرة حسن نية وإحساس بالمسؤولية، توجهتُ إلى مدير عام تعليمية ظفار واستغرق وقت مكوثي في دهاليز المكتب نصف نهار خلف أبواب حديدية موصدة لا تنفتح إلا بأرقام سرية، والظاهر أن المراجعين قد أصابتهم خيبة أمل من مراجعة الرجل؛ لذلك لم يصمد معي سوى رجل مسن، مرة ينام على الكنبة ومرة يصحو حتى مرَّ موظف لطيف ورقّ قلبه لحالنا، فاستدعاني إلى رواق بالداخل وهذه ميزة غير طبيعية، وهناك مكثت قرابة الساعة ولا أدري عن حالة الشايب الذي ظل في الخارج، وعند انتهاء الدوام نُقلت إلى مكتب المنسق، وكان عليّ المكوث بعض الوقت حتى يُسمح لي بالدخول. لا أدري لماذا كل هذه العقبات والمتاريس أمام المراجعين في مديرية التعليم بظفار؟ وهل الوضع كذلك في كل المحافظات؟

وأخيرًا دخلت على المدير العام، وهو رجل شاب في مُقتبل العمر يشع من وجهه نور الحياة ودماثة الخلق، واساني بجلسته الجانبية معي ولم أُطل المجاملات كعادتي، ورفضت الضيافة، فقد بات في بطني قرابة ترمس من القهوة المرة طوال فترة الانتظار. واجهت الرجل بالمشكلة وسهّل عليَّ معرفته بها، لكنه بدا غير قادر على اتخاذ قرار لمعالجتها ولو حتى بتوفير بديل أو تقسيم حصص "المعلم المتمرد" على حساب النصاب العام، وكل ما فهمته أنه سوف يخاطب مدير عام الصحة بظفار لضبط المؤسسات الصحية، لكي لا تمنح المعلمين إجازات مرضية. وعندما حاولت استجداءه للحل، رفع السماعة وكلم أحد الخبراء وأبلغه عن المشكلة، وقال "أريد حلًا الأسبوع المقبل"، ولكن للأسف لم يأتِ الحل واستمرت المدرسة بلا معلم منذ بداية الفصل إلى وقت كتابة هذا المقال!

علمتُ من المدرسة أن الجهات المختصة بالوزارة نقلت معلمين بشكل مفاجئ مع بداية الفصل بعد أن تم توزيعهم للمدرسة في موسم التنقلات واستبدالهم بمعلمين وافدين بأجر يومي، من معلمي المجال الأول. فكيف يُعقل استبدال معلمة أولى لمادة أساسية للمرحلة الثانوية بمعلم من المجال الأول؟ ولماذا تم النقل خارج فترة التنقلات؟ كل ذلك يُربك العملية التعليمية ويؤدي لنتائج متدنية لطلبة المحافظة، ويعد مخالفة صريحة للنظم والقوانين المعمول بها في الوزارة.

فمن القادر على محاسبة المتسبب بهذا الضرر الجسيم في حق أبنائنا؟!

أعلم يقينًا أن هناك الكثير من الحالات المشابهة في المحافظة، ولكنني أردت أن أسرد واقعاً عشته بنفسي وتدرجت فيه من المدرسة إلى مدير عام التعليم بالمحافظة. ومن هذا الواقع المرير يكشف لنا سبب تدني المستوى التحصيلي لأبنائنا في هذه المحافظة وقلة الملتحقين منهم بالجامعات والبعثات الخارجية. وهنا لابُد من إثارة هذا الموضوع على مستوى عالٍ في الوزارة، وحتى في المحافظة؛ سواء عن طريق المحافظ الذي بات مسؤولًا مسؤولية مباشرة عن متابعة أداء كل الجهات الحكومية في ظفار، أو عن طريق أعضاء مجلس الشورى والمجلس البلدي، الممثلين للمحافظة، وأيضًا مجلس أولياء الأمور؛ فالجميع يريد أن يحصل على أرقام تدلنا على المستوى التحصيلي لأبنائنا، وما هو نصيبهم من المقاعد الجامعية خلال آخر خمس سنوات؟ وهل هذه الأرقام ترضي الطموح؟ كل تلك أسئلة بحاجة إلى أجوبة خلال المرحلة المقبلة.

في الوقت الذي باتت فيه المحافظة متضررة بشكل كبير من انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية والتهريب والسرقة والتسول وخاصة في فئة الشباب، لابُد من وقفة حازمة في هذا المجال تتحد فيها كل الجهات، ابتداءً من إصلاح التعليم وضبط السلوك وتوعية المجتمع وزيادة الجاهزية الأمنية للتعامل الوقائي مع هذه السلوكيات المدمرة، والعمل على معالجة الآثار المترتبة عليها من الفترة السابقة في أسرع وقت ممكن... وحفظ الله بلادي.