انشطار العالم

حاتم الطائي

◄ تعمُّق الصراع بين روسيا وأمريكا يُنذر بعواقب لا تُحتمل

◄ استخدام الأسلحة النووية يعني هلاك كوكب الأرض

◄ على دول الخليج النأي بالنفس عن التخندق مع أي قوة عظمى

لا تتوقف التساؤلات في أذهان جميع المُهتمين بالشأن العام، وخاصة الجانب الدولي منه، عمّا ستؤول إليه أحوال العالم خلال الفترة المُقبلة، لا سيما بعد ظهور شبح الحرب النووية، والتلويح باستخدام أسلحة ذرية في معارك تدور رُحاها بلا هوادة الآن على الأرض.

والحديث عن احتمالية نشوب حرب نووية لن يتوقف حتى تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها، وتعود الأوضاع إلى ما قبل فبراير الماضي، فكل يوم يمر والصراع ما يزال دائرًا هناك، يستمر العد التنازلي نحو المصير المحتوم الذي تحدثنا عنه سابقًا. وقد تعمق الصراع في أوكرانيا بإعلان الكرملين رسميًا ضم 4 مناطق أوكرانية إلى الاتحاد الروسي، بقيادة فلاديمير بوتين، وقد شاهد الجميع تلك الصورة الاحتفالية والمُصافحة الجماعية بين بوتين و4 حكام إقليميين للمناطق المنضمة إلى الأراضي الروسية، بعد استفتاءات تقرير مصير صوتت لصالح الانضمام إلى روسيا، رغم رفض حكومة كييف والغرب والولايات المتحدة والأمم المتحدة لهذا الإجراء.

لكن ما يغفُل عنه البعض أنَّ الأوضاع على الأرض لا تتغير إلا بإجراء عسكري، والوقائع تشير إلى تمكن بوتين بشكل تام من فرض السيطرة الروسية على هذه المناطق الأربعة، والتي تضم واحدة منها محطة زابوريجيا أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا قاطبةً، وعودة هذه المناطق إلى السيادة الأوكرانية لن تتحقق سوى بعمل عسكري دولي، وليس أوكرانيًا؛ إذ لم يصمد الجيش الأوكراني أمام غريمه الروسي. والمؤشرات تقول إنَّ الغرب والولايات المتحدة لن يدخلا في حرب مباشرة مع الروس؛ إذ لا طاقة لهم بحرب عالمية ثالثة ستكون نهايتها إبادة البشرية لا محالة. فنشوب حرب تضم قوى نووية يعني بالضرورة استخدام الأسلحة الذرية، دون حساب للعواقب التي ستنجم عن ذلك، حتى ولو أفضى الأمر إلى هلاك الكوكب!

ولذلك نستطيع أن نستقرئ الواقع ونقول إنَّ العالم يتَّجه بقوة نحو الانقسام، أو لنقل الانشطار، لكن ليس انشطارًا نوويًا، لكن انشطارًا أمميًا؛ إذ ستعود نظرية المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، ليس على أسس أيديولوجية وحسب كما كان سابقًا، وإنما أيضًا على أسس المصالح الاقتصادية والسياسية؛ بل والأفكار الاجتماعية، وهذه الأخيرة ستُؤدي دورًا حاسمًا في الحشد الأممي وراء كل مُعسكر. فليس من باب الصدفة إشارة الرئيس الروسي- في خطابه خلال احتفاله بضم المناطق الأوكرانية- إلى فكرة عزمه على مُحاربة الهيمنة الثقافية للغرب، وتحديدًا فيما يتعلق بالأفكار الغربية مثل حقوق المثليين والشواذ، وتتفق معه في ذلك الصين، ودول عديدة أخرى. وهذا يعني أنَّ بوتين يُدرك خطورة الفكر الغربي الهدّام لكل القيم، وقد وصف ذلك بأنَّ روسيا تعارض رؤية الغرب للأسرة ودورها.

وعلى الرغم من أنَّ هذا الصراع المجنون، سيخلق معسكرين أو حتى عدة معسكرات بناءً على المصالح السياسية والاقتصادية وغيرها، لكن أيضًا سيتسبب في نشوء أزمات ومحِن عالمية لم نتصورها من قبل، فأزمة الغذاء التي تفجرت عقب الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل سلاسل الإمداد وتضاعف سعر الحبوب وعلى رأسها القمح، لن تمثل سوى جزء ضئيل جدًا من الأزمات التي قد تنشأ إذا ما تفاقمت الأوضاع واستُخدمت الأسلحة النووية، فهذا النوع من الحروب يُولِّد حروبًا أخرى، لا طاقة للعالم بها.

ما الحل إذن؟

الحل يتمثل في التمسك الشديد بسياسة الحياد، والابتعاد عن التخندق في أيٍ من المعسكرات التي قد تظهر خلال المرحلة المُقبلة، والسعي لمزيد من الوحدة والتلاحم بين شعوب المنطقة، وأمامنا نحن دول الخليج وكذلك الدول العربية، فرصة لبناء تكاتف خليجي وعربي مشترك لمواجهة أزمات المستقبل، فالعالم لم يعد آمنًا الآن، والأزمات والملمّات ستفتك بالعديد من الدول ما لم تستعد لها خير استعداد. إننا أمام لحظة زمنية فارقة، إما أن نتكاتف ونتَّحد خلف أهداف سامية تضمن لنا البقاء الإنساني بعيدًا عن أتون الصراعات والحروب المُدمّرة، لأنَّ ما تحقق من منجزات تنموية ينبغي الحفاظ عليه بشتى الطرق، وانتهاج سياسة النأي بالنفس عن أي تحزبٍ أو تعسكرٍ مع قوة أو قوى دولية.

ويبقى القول.. إنَّ العالم والمنظمات الدولية مُطالبون أكثر من أي وقتٍ مضى برأب الصدع بين القوى العظمى، والسعي لإيجاد المخارج الآمنة لما يمُر به العالم من منعطف خطير، يُهدد سلامة البشرية جمعاء، وليس دولة أو مجموعة دول، ولا شك أنَّ تحكيم العقل والحكمة، سيُجنِّب الكوكب خطر الدمار الشامل، فنيران الحرب لن تُبقي ولن تذر، وسيكون على الجميع العودة إلى أنماط من الحياة البدائية في ظل تفشٍ لأمراض خطيرة، وعواقب كارثية.