فعل.. ردة فعل.. الفائدة!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"كم من ناس صرفوا العمر في إتقان فن الكتابة، ليذيعوا جهلهم لا غير" ميخائيل نعيمة.

******

قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الأحبة عن الكتابة وكيف تأتي فكرة المقال، وهل أنا ملزم ككاتب أن أكتب باستمرار أم لا، وما الفارق إن كتبت باستمرار أو لم أكتب، وهل هناك فعلاً من هو مهتم بقراءة ما أكتب، وإن وجدت مهتمًا، هل هناك تفاعل، وإن كان هناك تفاعل ما شكل هذا التفاعل، وما تأثيره؟!

أسئلة كثيرة واستفهامات حول ذلك الكاتب وتلك الكتابة، وكأن العالم توقف عند بيان أهمية ما أكتب أو ما الذي سيحدث عندما أتوقف عن الكتابة.. هل ستتوقف الحرب في أوكرانيا؟ هل ستقدم أورسولا فاندرلاين استقالتها؟ (1)، هل ستتوقف في العالم الحملات الإعلامية والدعائية المثيرة للجدل والشك حول المثليين؟ هل ستعود فنزويلا إلى الرخاء وتجتاز الأزمة الاقتصادية الحالية؟ هل سيعتزل عادل إمام التمثيل؟ هل سيُعلن العراق استقلاله الفعلي عن الهيمنة الخارجية؟

بالطبع لن يحدث أي رد فعل أو جواب عمَّا سألتُ في الفقرة السابقة، وأساسًا لن يهتم أحدٌ حتى في الشارع الذي يقع به منزلي عن توقفي أو استمراري بالكتابة؛ لذلك لماذا نتحدث عن أمر لن يهز العلاقات الحميمة بين فنلندا وروسيا، ولن يحدث شرخًا يوقف السير والحركة في سلاسل التوريد القائمة بين مصانع جبنة المراعي وأسواق الهايبر ماركت.. أما السؤال الذي أعتقد أنه مهم فهو هل الكتابة فعل أم ردة فعل؟

أعتقد أن الجواب يحتمل الاثنين؛ الفعل وردة الفعل. مثلًا أنا ككاتب من الغريب أن أكتب في أي مجال عدا التاريخ والعلوم السياسية؛ لأني أتخصص أكاديميًا في ذلك، ومستعد أن أؤلف كتبًا وليس فقط أكتب مقالات بهذا الشأن.. لكن ما الفائدة؟ هنا السؤال المكمل للسؤال الأول، سؤال الفعل وردة الفعل وسؤال ما الفائدة؟

حسنًا.. سأصارح القارئ وأقولها بملء الفم، إن الكتابة باختصار جنون يتلبس الفكر، وهواية تمتلك رجالها (2)، ورشفة فنجان قهوة ساخن في أحد صباحات الشتاء، وفشة خلق، ولا فائدة مادية فعلية لها، ونرجع هنا للفعل وردة الفعل، وما زلنا في نقاش الفائدة!

قبل أيام، نظمت الكويت انتخابات برلمانية، وكانت خاصية الفعل وردة الفعل حاضرة، وكان الوضع مختلفًا عمّا سبق لاختلاف بعض الإجراءات الفنية في الإدارة العامة بتنظيم الانتخابات؛ حيث سيطر الغموض حتى اللحظة الأخيرة، وأعتقد أنها كانت لتأسيس مراكز قوى لمحطة سياسية قادمة، وهناك من يعتبرها "تسليكًا" لمرحلة حالية ترقبًا لمرحلة قادمة قد تحمل تغيرات سياسية هيكلية قد تدوِّن تاريخًا جديدًا، ولا غرابة في السياسة وأصول تدرج الحكم، وأعتقد أن المفاجأة هي ألا تحدث مفاجأة، وكنت سأكتب عن بعض الملاحظات، لكن تركت هذا المقال لنقاش الفعل وردة الفعل لكاتب المقال!

الأكيد أن السياسة بحر عميق الغبة، هائلة موارده غامضة معارفه، والكتابة في السياسة هي كالكتابة بقلم حبره من الدم، أما الكتابة عن التاريخ فحدِّث ولا حرج، لا أحد يريد الحقيقة كاملة، وإن قَبِل بها فهي ستكون وفق هواه؛ لذلك تحولت كتب التاريخ في عصرنا الحالي إلى روايات تنافس روايات إحسان عبدالقدوس!

لنرجع للفعل وردة الفعل، ونسيت أن أرجع للفائدة من الكتابة، لكن قبل إكمال الفقرة أسألك بالله هل فهمت شيئًا من الكلمات السابقة؟ أم أنك قرأت لمجرد القراءة، لا تبتسم لكن تأكد أني حشرت أكثر من مقال وتركت المعنى لذكائك.

قبل أن تطوي الصفحة تفكر في الفعل وردة الفعل، وتمعن في معنى الفائدة، وبعدها ألف مبروك، أتقدم بخالص التهنئة لك بأنك أصبحت متخصصًا في الفلسفة!

قبل إنهاء هذه الكلمات، سأنقل اقتباسًا لعبارة تحمل سؤالًا عميقًا للشاعر والمفكر أدونيس؛ إذ يقول: كل شيء ممكن، لكن لا شيء ممكن.. أليس هذا مأزق الكتابة؟!