عندما يبكي الوالدان

 

علي بن سعود البوسعيدي

 

الوالدان أوصى بهما الله تعالى في كتابه العزيز (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ولو تأملنا في الآية لوجدنا ربطا محكما بين عبادة الخالق وبر الوالدين والإحسان إليهما في مختلف مراحل عمرهما وخاصة عند الكبر. فتربية الأبناء وتعليمهم العلوم النافعة والأخلاق الطيبة هي مفخرة كل أب وأم والرحمة والعطف ما أعطيت لهما إلا من حرصهما على فلذات أكبادهما.

وحتى بعد استقلالية الأبناء في بيت مُستقل وتكوين أسرتهما تجدهما مُتعلقين بهما حتى مُفارقة هذه الدنيا، وكم من القصص التي تروى وتكتب عن بر أبنائهما بهما ورد جزء من الجميل لهما وتقديم كافة الرعاية والخدمات الضرورية لهما، ورغم ذلك نجد كل ذلك لن يوفيهما حقوقهما التي نعجز جميعًا عن حصرها مهما فعلنا، كيف لا وقد ارتبطت طاعة الله بطاعتهما وإنّ رضا الوالدين على أبنائهما يقود إلى رضا الله عز وجل،  الله عز وجل يبارك ويرضى عن الابن البار بوالديه، كما يكون بره بوالديه سببًا في دخوله الجنة.

وفي المُقابل نسمع عن قصص بل عن واقع مرير من بعض الأبناء ذكورا وإناثا من تقصيرهم عن تأدية واجب الطاعة لوالديهما، فعندما تزور أحد الوالدين تجده يبكي حسرة وألمًا على قطيعة أولاده وهجرانهم له، وهو في عمر تجاوز الثمانين. عبرات مُؤلمة تخرج من قلب رحيم ودمعات غالية جدًا ما كان لها أن تهطل في مثل هذه المواقف الصعبة والغالية عليه. يقول: لا أرى أحدًا منهم تمر الأيام والشهور، رغم أنهم على مقربة منه بأمتار قليلة، شغلتهم الدنيا بكل زخارفها وتمادوا في قطيعة والديهما، حتى تمر المناسبات السعيدة ولا يجد الوالد أحد أولاده يهنئه بالوصل أو حتى بمكالمة هاتفية قصيرة. ماذا حلَّ بنا وهل هذا الطريق الذي سلكه هؤلاء الأبناء يصل بهم إلى جنة هم أدرى بها أنها تحت أقدام الأمهات.

يا ويلتنا من هذه الغفلة القاسية التي نسينا بها أعزَّ الناس، بل وأكرم الناس على هذه الدنيا، هل ما أوتينا من مال وعيال ومنصب وجاه ينفعنا ويغنيننا عن تقصيرنا عن خدمة والدينا في الدنيا والآخرة؟ هل يُعقل لولد أو لبنت أحسن والداهما في تربيتهما وتعليمهما ووصلا أعلى المناصب أن يغفلا عن واجب زيارة والديهما والإحسان لهما بحجة المشاغل وتربية الأبناء؟ لما لا نكون خادمين لهما والسعي لرضائهما؟ هل ننتظر غضب الله علينا. يقول لي أحد الوالدين: تمر علينا المناسبات تلو الأخرى ورجوت الله أن يكون أولادي معي، ولم أحصل على هذه الأمنية، يقول: معي من الخير الكثير لا أريد حسنة، ولا أريد أي شيء منهم أريدهم بجانبي، هم وأولادهم سعادتي، ومنى عيني، لكن هيهات هيهات ماذا أفعل لأرضيهما وماذا أفعل ليكونا بجانبي ولو مرة في الشهر؟!

تعليق عبر الفيس بوك