الصين وأمن الشرق الأوسط

 

تشو شيوان **

استضاف معهد الصين للدراسات الدولية الأسبوع الماضي الدورة الثانية لمنتدى أمن الشرق الأوسط في بكين؛ حيث شارك مسؤولون من الصين والشرق الأوسط، وقد قدّم عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني (وانغ يي) أربعة مقترحات لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

تأتي هذه المُقترحات تأكيدًا على موقف الصين من الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط؛ حيث إنَّ الصين تجد أنَّ هذه المنطقة ظُلمت تاريخيًا بعد أن أدت التدخلات الخارجية ومحاولات فرض الديمقراطية الغربية على شعوب هذه المنطقة، مما تسبب في نشوء نزاعات وصراعات كانت سببًا مباشرًا في تعطيل مسيرة التنمية والبناء.

ومنذُ أن طرح الرئيس شي جين بينغ مفهوم الأمن الجديد في عام 2014، بذلت الصين جهودًا حثيثة ومُتواصلة لتعزيز أمن الشرق الأوسط بدون كلل وملل، وقد طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي في الاجتماع السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي لعام 2022 في يوم 21 إبريل 2022، لتأتي تأكيدًا على فلسفة الصين حول مفهوم الأمن الجديد وهي التي تواجه بشكل فعال تغيرات العالم وتجيب على أسئلة العصر وتوفر الإرشاد النظري المهم للدفع بإصلاح منظومة الحوكمة الأمنية العالمية وإخراج البشرية من المأزق الأمني والدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

وقدّمت الصين مقترحاتٍ بشأن تعزيز أمن الشرق الأوسط من خلال الدعوة إلى التضامن والاستقلالية، وصيانة العدل والإنصاف، والالتزام بعدم الانتشار النووي، وبناء الأمن الجماعي، وتسريع وتيرة التعاون التنموي، فالصين مؤمنة بأن المفهوم العصري للأمن يجب أن ينسجم مع معايير التنمية، فالأمن والتنمية مثل أجنحة الطائر لا يمكن التحليق بالسماء وصنع الإنجازات دون هذين العاملين، فكما لا يمكن لأي طائر الطيران بجناح واحد، فلا يُمكن لأي دولة أن تحقق التنمية دون وجود الأمن، ولا يمكن تحقيق الأمن دون وجود تنمية تطور حياة الشعوب وتسخر الإمكانيات للعيش الكريم.

وخلال السنوات الماضية قامت الصين بتعميق الشراكات في الشرق الأوسط ومدت يدها لجميع الدول سواء من خلال الدفاع عن قضايا المنطقة في المحافل الدولية أو القيام بدفع عجلة التنمية بضخ الاستثمارات أو القيام ببناء مشاريع البنية التحتية. وعلى جانب آخر وقفت الصين موقف الشريك والحليف لدول المنطقة ولشعوبها وقدمت لهم المساعدات في الظروف الطارئة والاستثنائية وخير مثال تقديم الصين العديد من المساعدات في مجال مكافحة فيروس كورونا المستجد، وهذا كله من شأنه أن يدفع بالتنمية والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لا يُمكننا الحديث عن علاقة الصين بالشرق الأوسط، دون أن نذكر أن معظم الشباب العربي يرى أن الصين حليف لبلدانهم حسب استطلاع الرأي الذي أجرته شركة "أصداء بي سي دبليو"، والذي نشرت نتائجه الأسبوع الماضي. هذه النتائج تؤكد أن شباب الشرق الأوسط يتشاركون مع الصين والقيادة الصينية نفس الأهداف والتطلعات ببناء علاقات شراكة بين الصين ودول المنطقة بشكل مكثف لبناء مستقبل أفضل، ومن الجانب الصيني ستكون منطقة الشرق الأوسط وقضاياها على رأس أولويات القيادة الصينية فيما يخص الملف العالمي.

يجمع الصين والشرق الأوسط تاريخ مشرف، ولكلا الجانبين تاريخ عميق وثقافة خاصة وتجربة غنية، ولا يمكن أن تبنى التنمية في هذه المنطقة بفرض قوالب غير مناسبة أو لا تصلح ولا تتوافق مع طبيعة دول الشرق الأوسط وشعوبها وإرثهم التاريخي والعادات والتقاليد، والصين مؤمنة بهذا الأمر، وترى أنَّ أي نموذج يصلح لمكان معين ليس بالضرورة أن يصلح في أي مكان، وعلى شعوب ودول وقيادات دول الشرق الأوسط أن تختار طريقها وأسلوبها التنموي بعيدًا عن التأثيرات والتدخلات الخارجية والصين تدعم هذا الأمر وتدافع عنه وتطالب باحترامه والعمل على إيجاده.

لقد عانت العديد من دول الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية من حروب ونزاعات ومشاكل اقتصادية، وكل هذا يمكن حله بالتوافق والتشاركية والعمل على بناء المستقبل، ولعل تجربة الصين في التنمية المستدامة تجربة غنية وقابلة للتطبيق والاستفادة منها والصين مستعدة لأن تعمق شراكاتها وتعمل على بناء مستقبل أفضل للمنطقة بعيدًا عن الحروب والصراعات، ونحن في الصين نجد أن تلاحم القوى الصينية والشرق أوسطية سيعمل على حل الكثير من مشاكل المنطقة، والصين حليف يمكن الوثوق به وبقدراته في خلق التنمية وبناء مستقبل أفضل.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية