ماذا تعرف عن "الشقراء الذكية" القريبة من رئاسة وزراء إيطاليا؟

 

 

روما- رويترز

ألقت السياسية الإيطالية جورجيا ميلوني خطابا أمام أنصارها في عام 2019 أصبح هو ما يعرفها وقالت فيه "أنا جورجيا، أنا امرأة، أنا أم، أنا إيطالية، أنا مسيحية، ولا يمكنك أن تنزع عني هذه الصفات".

وبعد ثلاث سنوات، اقتربت الزعيمة القومية أيضا من أن تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا. وأظهرت النتائج الأولية للانتخابات العامة التي أجريت أمس الأحد أن حزب إخوة إيطاليا بزعامة ميلوني تصدر الانتخابات بحصوله على حوالي 26 بالمئة من الأصوات، مما دفع تحالفا يضم أحزابا يمينية صوب الحصول على أغلبية واضحة في مجلسي البرلمان.

وكان حزب إخوة إيطاليا قد فاز بنسبة 4.3 بالمئة فقط من الأصوات في الانتخابات العامة السابقة التي جرت عام 2018.

ومن شبه المؤكد أن ميلوني، بصفتها رئيسة الحزب المنفرد الحاصل على أكبر نسبة أصوات، ستحصل على الضوء الأخضر من رئيس الدولة لتشكيل حكومة جديدة، لتواجه مجموعة هائلة من المشكلات من بينها ارتفاع أسعار الطاقة والحرب في أوكرانيا.

وقالت ميلوني، البالغة من العمر 45 عاما، لأنصار حزبها في ساعة مبكرة من صباح اليوم الاثنين "يجب أن نتذكر أننا لم نصل إلى نقطة النهاية، فنحن في نقطة البداية. اعتبارا من الغد يجب أن نثبت جدارتنا".

ويرتبط صعودها السريع بتحول في حزب إخوة إيطاليا وانتقاله من وراء الكواليس إلى صدارة المشهد دون أن يتنصل تماما من جذوره التي تعود إلى ما بعد الفاشية.

ويقول الأصدقاء والنقاد على حد سواء إن زيادة التأييد لميلوني يرجع إلى حد كبير إلى عزيمتها الصلبة. وفازت ميلوني بأول انتخابات محلية وهي في سن 21 وأصبحت أصغر وزيرة في إيطاليا على الإطلاق عندما منحتها حكومة برلسكوني في عام 2008 حقيبة الشباب وهي في سن 31.

يلفت صعود ميلوني الانتباه بالنظر إلى خلفيتها المتواضعة في بلد غالبا ما تتفوق فيه الصلات بالعائلات الكبرى على الجدارة.

فقد عملت أمها منفردة على تربيتها في حي للطبقة العاملة بالعاصمة الإيطالية بعد أن تخلى عنهما والدها بعد ولادتها. ولم تحاول أن تتخلص من لكنتها المميزة في الحديث التي تدل على مكان نشأتها في روما.

وتقول ميلوني في سيرتها الذاتية لعام 2021 "أنا جورجيا" إنها وجدت عائلة جديدة وهي تبلغ من العمر 15 عاما عندما انضمت إلى قسم محلي للشباب بالحركة الاشتراكية الإيطالية، التي أنشأها أنصار الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني في عام 1946.

ولعملها باجتهاد ولطبعها المشاكس، سرعان ما لفتت انتباه الناشط الحزبي فابيو رامبيلي الذي نظم دورات لتدريب من كان يأمل في أن يكونوا جيلا جديدا من السياسيين المحافظين.

وقال رامبيلي، نائب رئيس حزب إخوة إيطاليا في البرلمان "كانت فكرتي أن نتخيل حكومة يمينية لا علاقة لها (بفاشية) الثلاثينيات".

وأضاف لرويترز "ميلوني كانت شقراء ذات عيون زرقاء ونحيفة وهادئة وذكية. كانت أيضا قوية جدا لكنها لم تكن أيديولوجية. هذه هي كل الخصائص التي نحتاجها لنقل اليمين الإيطالي إلى المستوى التالي".

واندمجت الحركة الاشتراكية الإيطالية في كيان جديد أطلق عليه اسم التحالف الوطني في منتصف التسعينيات قبل أن تندمج مع مجموعة محافظة رئيسية أسسها رئيس الوزراء السابق برلسكوني.

وفي أكبر مقامرة سياسية لها، تركت ميلوني ومجموعة من قدامى الأعضاء في التحالف الوطني برلسكوني في عام 2012 وشاركوا في تأسيس حزب إخوة إيطاليا الذي جاء اسمه من أول كلمات في النشيد الوطني.

واحتفظ الحزب برمز ألسنة اللهب القديم الذي كان في شعار الحركة الاشتراكية الإيطالية ونشرت وسائل إعلام إيطالية بين الحين والآخر صورا تظهر تحفا تذكارية من العهد الفاشي في مكاتب بعض السياسيين المحليين في حزب إخوة إيطاليا.

لكن مكتب ميلوني لا يضم أيا من تلك التذكارات وبدلا من ذلك به العديد من التماثيل الصغيرة لملائكة وبعض الصور لابنتها البالغة من العمر 5 سنوات ورقعة شطرنج وصورة للبابا يوحنا بولس مع الأم تيريزا وحاويات لأقلام ملونة تستخدمها لتدوين ملاحظات دقيقة.

وفي مقابلة مع رويترز الشهر الماضي، رفضت ميلوني أي إشارة إلى أن حزبها يشعر بالحنين إلى الحقبة الفاشية ونأت بنفسها عن تعليقات أدلت بها وهي مراهقة وكانت تشيد فيها بموسوليني، حليف الزعيم النازي أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وصفته فيها بأنه "سياسي جيد". وقالت دون الخوض في التفاصيل "من الواضح أن لدي رأي مختلف الآن".

وتقارن ميلوني حزبها بالحزب الجمهوري الأمريكي وحزب المحافظين البريطاني حيث تُقدر الوطنية والقيم العائلية التقليدية ويتم شجب الإفراط في الصوابية السياسية والنخب العالمية.

وقالت في خطاب ألقته بالإسبانية في يونيو حزيران لمناصري حزب فوكس اليميني الإسباني "نعم للأسر الطبيعية، لا لجماعات الضغط المثلية، نعم للهوية الجنسية، لا للأيديولوجية القائمة على النوع، نعم لثقافة الحياة، لا للسقوط في هاوية الموت... لا لعنف الإسلام، نعم للحدود الآمنة، لا للهجرة الجماعية، نعم للعمل من أجل شعبنا، لا للتمويل الدولي الكبير".

وتقول استطلاعات الرأي إن سر نجاح ميلوني يكمن في قيمة حداثتها في عالم السياسة الإيطالية القديم، الذي دائما ما هيمن عليه الرجال، وتمسكها الراسخ بمواقفها.

وفي حين أن حليفيها ماتيو سالفيني وسيلفيو برلسكوني انضما إلى يسار الوسط العام الماضي لتشكيل حكومة وحدة تحت قيادة ماريو دراجي، رفضت ميلوني وقالت إن تعيين مصرفي سابق غير منتخب أمر غير ديمقراطي.

وجعل القرار إخوة إيطاليا الحزب الرئيسي الوحيد في المعارضة مما جعله يتجنب مشقة الدفاع عن قرارات لم تحظ بشعبية اتُخذت أثناء حالة الطوارئ المتعلقة بمكافحة تفشي فيروس كورونا.

وكانت ميلوني حذرة قبل الانتخابات وحثت حلفاءها على عدم تقديم تعهدات لا يمكنهم الوفاء بها ووعدت بأن تكون أمينة على إدارة الحسابات العامة الهشة في إيطاليا.

وطمأنت المؤسسة الإيطالية القائمة برسالة قوية مؤيدة للغرب تعهدت فيها بزيادة الإنفاق الدفاعي والوقوف في وجه روسيا والصين.

ودفعت كل رسائلها شديدة اللهجة الصحف الإيطالية إلى المقارنة بينها وبين رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت ثاتشر.

ومثلما حطمت ثاتشر الحاجز غير المرئي الذي يعيق تقدم النساء في بريطانيا لتتولى منصبا رفيع المستوى قبل 43 عاما، يبدو أن ميلوني على وشك أن تحذو حذوها في إيطاليا. لكن كونها امرأة هو أمر لا تتوقف كثيرا عنده. فهي تعارض نظام الحصص لضمان التنوع وتعزيز وجود النساء في البرلمان أو المناصب العامة وتقول إن المرأة عليها أن تصل للقمة عبر الاستحقاق. لكنها تقول إن كونها امرأة له مزاياه أيضا في إيطاليا. وقالت "عندما تكونين امرأة غالبا ما يتم الاستخفاف بك.. لكن هذا يمكنه حقا أن يساعدك".

تعليق عبر الفيس بوك