سقط الجسر.. فظهرت الحقيقة

أحمد بن موسى البلوشي

لكل شخص الحق في قول ما يُفكر به، وقول ما يريد، وأن يعبر عن رأيه في أي موضوع، ومن حق كل شخص كذلك أن يتفق أو يختلف مع الآراء المطروحة، وقد كفل النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6/ 2021) حق حُرية الرأي والتعبير عنه؛ إذ نصت المادة (35) على أن "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون".

وعرّف ليونارد دوب الرأي بأنه: "اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع يشغل بالهم بشرط أن تكون هذه الجماهير في مستوى اجتماعي واحد"، ونصت المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

وعندما "سقط جسر لندن" وأعلنت وفاة الملكة إليزابيث الثانية، اختلف الجمهور بين فريقين؛ فريق يترحم عليها، وفريق يقول إنها لا تستحق الرحمة. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن هذا الموضوع ولا التطرق إليه. لكن ما شدَّ انتباهي في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي الحياة الواقعية كذلك حجم التنمر وعدم احترام الآراء. فالبعض الذي ترحم على الملكة، ترحم عليها من منظور الإنسانية أو ربما منظور آخر، وأنا لست هنا للدفاع عنهم، ولا على عن الفريق الثاني. القصد أن هؤلاء الأشخاص طرحوا وعبروا عن رأيهم في الموضوع، غير أن ما أخجلني كثيرًا ردود الجمهور على هذه الآراء التي طُرحت في وسائل التواصل المختلفة؛ حيث كانت في مجملها عبارة عن تنمر وقذف وتعدٍ على شخصية المُغرد، والبعض وصل إلى أن يُكفرهم.. تهجم غريب وعجيب ليس له أساس ولا منطق. فهل هذا ما تعلمناه من ديننا الحنيف؟ هل عاداتنا وتقاليدنا توصي بذلك؟ ألم يكن من الأجدر أن تطرح رأيك ووجهة نظرك دون المساس بالأفراد؟ من أنت لتحكم على هؤلاء بالجهل وعدم فهم الدين؟ أيُعقل أن تكون أنت عالمًا من علماء الشريعة والفقه ونحن لا نعلم؟ المنطق والعقل يقولان إن ما يناسبني لا يناسبك بالضرورة، وربما ما تراه أنت صحيحًا قد يكون من وجهة نظري خطأً، وهذا يفسر المنطق الذي يقول "عدم قدرتنا الوصول للصحيح والخطأ المطلق في الحياة".

كان بإمكان كل فرد أن يبدي رأيه ووجهة نظره حول الموضوع مع الدليل والبرهان، دون أن يتعدى على حريات الآخرين وشخصياتهم. يقول علي إبراهيم الموسوي: "محاولتك إلغاء الرأي الآخر ليس لها إلا معنى واحد.. ضحالة الفكر الذي تحمله".

للأسف الشديد أن البعض لا يعون ولا يدركون مفهوم احترام الرأي الآخر، ولا يدركون المعنى الحقيقي للنقاش والحوار، واحترام الرأي الآخر ليس بالضرورة أن يكون بالصمت والقبول، بل بطرح وجهة النظر باحترام ومنطق، فاختلاف وجهات النظر ظاهرة صحيحة، وربما تؤدي إلى نتائج إيجابية، ولكن المشكلة العويصة تكمن في رفض البعض لأي وجهات نظر وآراء مختلفة عن آرائهم ووجهات نظرهم ولا تتماشى معهم، وهذا دليل واضح على تراجع ثقافة تقبل الرأي الآخر في المجتمع، يقول جبران خليل جبران: "لو أننا استيقظنا في الصباح ووجدنا أنَّ الجميع أصبحوا من نفس السلالة والعقيدة واللون، لاخترعنا أسبابًا أخرى للتفرقة قبل حلول المساء".

تعليق عبر الفيس بوك