الحقيقة المُرّة

حاتم الطائي

◄ الرعب النووي يعود مع تولُّد لحظة مشابهة لأزمة "الصواريخ الكوبية"

◄ على أمريكا والغرب تقبُّل النظام العالمي الجديد

◄ الأزمة الاقتصادية تتعمق في ظل استفحال التضخم والركود العالمي

يبدو أنَّ المصير المحتوم الذي يخشى الجميع منه يقترب تدريجيًا، فمع تحوُّل الحرب الروسية الأوكرانية نحو مُنعطفٍ أقلَّ ما يُوصف به أنَّه خطير، عقب إعلان روسيا التعبئة الجُزئية واستعدادها لاستخدام "كل الأسلحة بما فيها النووية" في هذه الحرب.. تلوح في الأفق المخاطر والأهوال المُتوقّعة إذا ما اندلع الصراع النووي المُرعب، الذي لم يعد على الإطلاق مُجرد مشاهد مُتخيَّلة على شاشات السينما، والخوف كل الخوف أن نراه على شاشات التلفزة في نشرات الأخبار!!

تلك هي الحقيقة المُرّة؛ فالمعارك المُستمرة في أتون الحرب الروسية الأوكرانية تدفع بنا نحو السيناريو المُخيف، خاصة بعد تصاعد وتيرة القصف والضربات وتزايد معدلات الحشد العسكري والتسليح عند طرفي الصراع، وما زاد الطين بِلة، الاستفتاءات المُزمع عقدها في المناطق الأوكرانية التي فرضت روسيا سيطرتها عليها، ويبدو أنَّ أوكرانيا والغرب لم يعد بإمكانهم منع هذه التطورات. فالعقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا لم تُحقق أي تأثير يُذكر ولم تُثنِ الرئيس بوتين عن مُواصلة أهداف حملته العسكرية في أوكرانيا، كما إن التسليح الغربي للجيش الأوكراني لم يُساعده في إحراز أي تقدم ميداني؛ بل لم ينجح حتى في حماية المؤسسات الاستراتيجية مثل محطة زابوريجيا النووية، وهي الأضخم على الإطلاق في أوروبا. لكن في الجانب المُقابل، يبدو أنَّ ازدياد الضغط الغربي على روسيا هو الذي دفع روسيا قبل أيام للتلميح بإمكانية استخدام السلاح النووي؛ لتتولَّد لحظةٌ مشابهةٌ لأزمة "الصواريخ الكوبية" التي أعقبت عملية غزو خليج الخنازير، وكانت أحد أبرز فصول الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي (سابقًا) والولايات المتحدة؛ قطبي العالم خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي.

الوقائع على الأرض تُشير إلى التفوق الروسي، فالدولة الروسية ورغم العقوبات، حصدت العديد من المكاسب، سواءً عسكريًا من خلال فرض السيطرة على مناطق ما يُسمى بـ"الهلال الروسي" في الأراضي الأوكرانية، وهي المناطق التي يريد من خلالها بوتين تعميق أمنه القومي عبر ضمّها وتحويلها إلى أراضٍ روسية، أو اقتصاديًا بفضل المكاسب المالية التي تجنيها روسيا من مبيعات الغاز والنفط بأسعار مضاعفة مقارنة بالوضع قبل الحرب. أيضًا استطاعت روسيا إحياء فكرة العالم ثنائي القطب، وتحجيم الهيمنة الأمريكية، وتجلى ذلك بوضوح في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تمثل إحدى مراحل بناء عالمٍ جديدٍ متعددَ الأقطابِ.

والسؤال المُلح الآن على الساحة الدولية: كيف يمكن الحيلولة دون الوصول إلى "ساعة الصفر النووية"؟

فمع التصعيد العسكري وأزمة الغاز التي قد تتعمق مع اشتداد الشتاء الأوروبي، إضافة إلى التلويح الروسي باستخدام الأسلحة النووية، يبدو أن العالم يقترب بدرجة ما من "ساعة الصفر النووية"، وعندئذٍ لن تنجو دولة في العالم من تداعياتها المُرعبة، وتأثيراتها العنيفة على الحياة وعلى الكوكب، خاصةً إذا ما تدخلت أطراف أخرى أعضاء في النادي النووي العالمي، وسيتحول العالم إلى كرة لهبٍ تأكل نفسها تدريجيًا، ولن ينفع الندم حينذاك!

ولهذا لا بديل أمام أوكرانيا ومن ورائها أمريكا وأوروبا، سوى التفاوض مع روسيا على وقف الحرب فورًا، مُقابل إبقاء الوضع على ما هو عليه، فما اقتطعته روسيا من الأراضي الأوكرانية لن يعود إلى سلطة كييف مرة أخرى. هذا الحل سيُمثل فرصة لأوروبا لضمان استئناف ضخ الغاز الروسي، وتفادي سيناريو مؤلم لأوروبا دون طاقة، كما سيُساعد على تخفيف الضغوط على الاقتصاد العالمي المُتخم بالأزمات، وعلى رأسها غول التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة وما يسببانه من ركود لا مفر منه. والأهم من ذلك كله، أن العالم سينجو من حرب نووية، انفجارها أقرب من أي وقتٍ مضى.

ويبقى القول.. إنَّ الصدام المحتوم الذي يخشاه كل سكان الأرض، لن يتلاشى إلّا إذا تحلّت القوى العالمية برؤية واقعية مفادها وقف نزيف الخسائر وطمأنة روسيا تجاه أمنها القومي، والقبول بالنظام العالمي الجديد الذي تشكّل الآن، ولم يعُد مجرد تنظير سياسي، والبحث عن بدائل أخرى للمنظومة القائمة حاليًا؛ لضمان المزيد من الاستقرار العالمي وتفادي الانهيار في أي لحظة، لن تكون أسبابه في الحسبان!