التكامل الغذائي الخليجي

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

في واحدة من أصعب المسائل الفكرية التي يعّول عليها الكثير، أن المعنيين باقتفاء التاريخ يقتفونه بالقراءة النقدية، لتسخيرها في جوانب قد لا يكون لها سوى مردود معنوي وشعور بالفخر من خلال أجزاء مُعينة منه مع التلميع المناسب، غير أنَّ القراءة للأغراض الأبعد والأهم والتي قد ترتبط باستمرار الحياة قد لا يكون لها الحضور الأبرز، والذي قد يكون هو الأهم عندما يتم مقارنة الأهداف المعنوية والتباهي مقابل أهداف تحقق الحياة أو تتسبب في الموت.

الخليج العربي يعد واحدًا من أكثر البقاع تصحرًا وجفافًا عانى أهله من ويلات الجوع والعطش والهجرات والتزاحم على ما هو مُتوفر من سبل الكفاف من العيش، وهذا أقل ما يمكن الحديث عنه، وإلا فإنَّ للأمر جوانب أكثر ضبابية وصعوبة، وعلى من يقرأون الجوانب الإستراتيجية في توجيه الدول أن يضعوا نصب أعينهم تلك المعادلة التي تتحدث عن مقدرة الدول على تغذية أبنائها في كل الأحداث. ومن يقرأ سياسات الدول في الماضي، وكذلك حدوث النزاعات الإقليمية أو الدولية والتي سببت تحديًا فعليًا، لا يمكن تناسيه أو المرور عليه مرور الكرام، وقد تكون سبل العيش واحدة من أهم تلك التحديات يومًا ما.

أعتقد أنَّ أقل الحقوق التي يمكن للمواطن الخليجي الحصول عليها من خلال مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي الشعور بالأمن الغذائي الشامل لأهله، الذين تمتد عروقهم في كل دول المجلس، ويتبادلون موروثًا متكاملًا في كل شيء، ولذلك فإنَّ الشعور بالأمان للفرد لنفسه ولأبنائه من بعده من أهم الثوابت لكل إنسان، وأن يكون أصحاب القرار في المكان القريب من هذا الأمر. ولذلك فإنَّ توجيه المفكرين بإعطاء الاهتمام بهذا الجانب سيكون محركًا إيجابيًا لكل الجوانب الأخرى وسيحتم على الجميع بناء شعور ودفء يوجه الجميع نحو الخير.

دول الخليج حباها الله تكاملًا طبيعيًا، وكأنها دولة واحدة تملك كل شيء، ففي الوقت الذي تعد هذه الدول واجهة في إنتاج النفط، إلا أنها أيضًا تتباين في نسبة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه. ففي حين أن هناك دولًا أغنى مالًا، فثمة دول أخرى تملك المال بدرجة أقل، لكن من جانب آخر بعض الدول تمتلك أراضي وطقسًا فريدًا يمكن أن ينتج أفضل وأرقى أنواع الفواكه والخضروات على مستوى العالم، ويمكن التخطيط لبيعه أو تبادله، أو إيجاد قاعدة تبادل واستثمار، بنيّة التكامل والفائدة المشتركة، من خلال تشريع قوانين واضحة بنية صادقة ومباشرة، وبدلًا من الاستثمار خارج محيط المنطقة أو إنشاء شركات متواضعة فردية بإدارات مختلفة ومكلفة، فإنه يمكن بناء نماذج بأساليب متطورة تستهلك أقل ما يمكن من المياه، وتنتج أنواعا متطورة من الغذاء، حتى وإن دعت الضرورة للشراء، وهذا وارد وبقوة، فإن الشراء الموحد والنقل الموحد والتفاوض لشراء مواد أكثر سيكون أرخص من ناحية وأقوى كجهة ذات قوة إقليمية لن يستهان بها.