إعلان نهاية الحرب الروسية الأوكرانية

 

ناجي بن جمعة البلوشي

في خطاب مُتلفز قبل أيام، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُخاطبًا الأمة الروسية بخطاب يحمل الكثير من العناوين التي يمكن تحيللها على عدة محاور، وهنا نضع لنا بصمة في محور مهم نظنه هو ما كان يعنيه الزعيم الروسي في خطابه الذي أعلن فيه البدء فورًا بالتعبئة الجزئية واستدعاء 300 ألف ضابط وعسكري من قوات الاحتياط، وهم يشكلون حوالي 1% فقط من مجموع تلك القوة التي قوامها 25 مليون فرد.

وفي حين أن استدعاء وتدريب وتجهيز تلك القوة يحتاج إلى بعض من الزمن يقترب من 4 أشهر لتكون بعدها جاهزة لخوض ميادين المعارك والخطوط الأمامية، فإنه وعند قراءتنا لخطابه نجد أن هدفه الأكبر من هذا الخطاب هو ما شدَّد عليه من عدم التدخل الغربي مجددًا لإمداد أوكرانيا بأي نوع من أنواع الأسلحة، أو بأي حال من الأحوال؛ كالدعم اللوجستي والاستخباراتي وإدارة العمليات من الأرض أو من الخارج. وهذا ما كشفه وزير دفاعه بالتفاصيل والأرقام في مقابلته الخاصة التي أجراها مع التلفزيون. ومن قراءتنا للخطاب نلاحظ أن الرئيس بوتين شدد في خطابه على هذه النقطة بالذات؛ بل وكان جادًا فيها، حين قال إنه سيكون الرد عليهم هذه المرة بكل الوسائل والأسلحة التي تمتلكها بلاده، ويمكن استعمال كل أنواع الأسلحة، منوها إلى أنواعها وقدرتها وحداثتها مقارنة بما تملكه دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" من أسلحة مماثلة ومشابهة لأي نوع من أنواع الأسلحة الروسية.

هذا الجزء بالذات من الخطاب كان ما يريد أن يوصله بوتين إلى مسامع الساسة والعسكريين الغربيين، فإذا ما التزموه فإنه يعني بذلك نهاية العملية العسكرية الروسية في إقليم دونباس على حسب تصنيفها الروسي، وذلك بعد أن تم تحريره بالكامل من السيطرة الأوكرانية، وما تبقى من هذه العملية سوى الطابع الرسمي وهو ما سيكون بالاستفتاء الشعبي؛ حيث أعلنت السلطات في عدة مناطق من أوكرانيا إجراء استفتاءات عاجلة بشأن الانضمام إلى روسيا بدءًا من 23 ولغاية 27 سبتمبر، وستكون نتائج هذه الاستفتاءات وحدها الطابع الشرعي والقانوني لانضمام المناطق التي تشمل كلًا من منطقتي لوغانسك ودونيتسك، وكذلك منطقة خيرسون، ومنطقة زابوريجيا التي تضم أكبر محطة نووية في أوروبا، وهي المناطق الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد الروسي.

أما المقصود من استدعاء جنود الاحتياط من العسكريين، فنراه بمثابة طلب حرس حدود إضافيين إلى الحدود الجديدة للدولة الروسية والذين سيقومون بمهام عملهم بعد شهر فبراير المقبل، كما إن بوتين طمأن مواطنيه أنه اذا استخدم تلك الأسلحة، فإن استخدامه لها يعني أنه يدافع عن أمنه وأمن بلاده ومواطنيه، وأنه هنا بين خيارين في هذه الحالة؛ إما استخدام كل ما لديه من قوة أو الذهاب إلى مصيرهم السابق، عندما كانوا مواطنين في الاتحاد السوفيتي؛ حيث ذكّرهم بما حصل من تقسيم للاتحاد السوفيتي في عام 1991، وما آلت إليه أوضاعهم المعيشية والحياتية، مقارنًا ذلك بما هم عليه اليوم من حياة ورفاهية في بلادهم وذكرها بالاسم "روسيا" ، وشبّه المصير الأول بالمصير الحتمي لهم إذا لم تستخدم بلاده مثل هذه الأسلحة في الدفاع المصيري لها.

يُعد هذا الخطاب هو المقايضة أو الفرصة الأخيرة للدول الأوروبية لتفادي مواجهة مصيرية مع روسيا أو مع شعوبها، خاصة وأن الوقت مناسب جدًا قبل بداية الشتاء القارس في أوروبا مع وجود أزمة غاز، ولها أن تختار بين هذا الخطاب الذي قدمه لهم الرئيس بوتين أو اللهث وراء كل ما يمكنهم تصوره من الخيال. فالضغط على الأوكرانيين للبدء في مفاوضات ثم اتفاق سلام والاعتراف بالأمر الواقع، خيرٌ من البقاء وراء الأحلام الوردية التي تأتيهم من الغرب الأقصى، دون أن يحصلوا على أي مكاسب جيوسياسية أو اقتصادية أو حتى ميدانية بما دفعوه للجيش الأوكراني والذي قُتل نصفه في هذه التقديرات الخاطئة. فأين بمصيره أو مصير أوكرانيا إذا ما وضعت روسيا كل عساكرها وقوتها في هذه الحرب التي تصل إلى عدد سكان أوكرانيا مجتمعين؟ أو من يمكنه أن يوقف يد الرئيس بوتين إذا ضغط على زر القنابل النووية وأمطر بها أوكرانيا متسببًا ذلك في محوها من الخارطة وقتل مئات الملايين من الناس في أوكرانيا والدول الأوروبية المجاورة وغيرهم حول العالم من الجوع؟

لا بُد لأوروبا أن تتخذ القرار المناسب وتغلق هذا العبث عند تقديمها للمساعدات وتؤمن بالواقع الجديد في وجود الأقطاب المتعددة، وذلك لمصلحة العالم الإنساني ومستقبله، فأوروبا بيدها كل شيء ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون قطبًا مؤثرًا في خارطة العالم الجديد، إضافة إلى الصين وروسيا وأمريكا.