"صوّر صوّر"

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

"صوّر صوّر" هذه الكلمة التي كنَّا نتداولها في صغرنا ونفرح بلحظات التصوير التي قلما ما تمر علينا آنذاك إلا في المناسبات المُهمة كأعياد الميلاد وأعياد الفطر والأضحى والمناسبات الاجتماعية، بكاميرا يتجمع حولها الجميع كي تُلتقط الصور لتبقى ذكرى طيبة، وقد مرَّت الأيام وكبرنا وتطورت آلة التصوير حتى وصلت إلى الهاتف المحمول فكانت الطامة الكبرى!

عندما تُحرم من شيء لبرهة من الزمن وبعد ذلك تتغير الأمور، فإما أن تكون شخصًا يُعتمد عليه وإما أن ترتبك معك الصورة والمفاهيم الواجب فهمها جيدًا، ومع مرور الوقت تعي أنك قد مشيت عكس التيار الذي كان يجب أن تمشي باتجاهه بحذر بالغ!

وعندما أشاهد الواقع الذي نعيش فيه والوضع المؤسف الذي يمر بالكثير منا، أشعر بحزن شديد، لكنني لا أملك تغيير الواقع، فما كان ممنوعًا أصبح مرغوبًا، وما كان الوازع يحتم علينا عدم الانخراط فيه، أصبحنا نخوض مع الخائضين، فكنا من المنافسين على ذلك وأصبحنا نقول: "صور صور"!

في الزمن الماضي لم نكن نعرف تطبيقات التواصل الاجتماعي، والآن بدأنا نبحر فيها، بالأمس كانت الواحدة منَّا ترفض أن تأخذ صورة كي لا يراها الآخرون، لكن الآن تصوِّر كي تحصل على مشاهدات عالية وقس على ذلك الكثير.

كنَّا نعيش في زمن جميل ولم تكن فيه كل هذه المغريات وكان كل شيء صافٍ كصفاء الماء العذب، لكنه تغيّر وأصبح يمتزج بالشوائب التي صنعها البشر.. ابتدعها الغرب وصدقها العرب! وبعدما كانت البنت لا يعرفها القاصي والداني، أصبحنا نعرف حتى نوعية الطعام الذي أكلته، وما دار خلال يومها كله، أو كما يقال: "من طأطأ لسلام عليكم"، حتى المشاكل والأسرار التي تخبؤها البيوت، أصبحت ظاهرة أمام المتفرج والكل يتباهى بأنه نشر وصور ووثق ذلك!!

عندما أرى شخصيات لها وزنها في المجتمع تبحث عن مشاهدات وتركض خلف أعداد المتابعين، يصيبني شيء من الأسف حول هذه الشخصيات التي كنت أعدُّها يومًا ما قدوة لي ولغيري، والأدهى أنها تبذل وتعطي للمجهول وتوزع وتغري الناس حتى ترتفع تلك المشاهدات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن تصيبه لعنة الشهرة يبقى لاهثًا خلفها عبدًا لها تاركًا دوره الأساسي الذي خلق من أجله باحثًا عن متعة سريعة لا تشكل فارقًا، ولكن بسبب ضحك الآخرين علينا، أصبحنا تافهين لدرجة أن التفاهة أو كلمة التفاهة باتت أرقى من الوضع المزري الذي يعيش فيه أغلب "مُتصنعي" المحتوى لا صانعي المحتوى.

لقد وقفت على مشهد: هذه الصورة وأنشره! خذي الصورة وأبعثيها لأكبر عدد متابع لك. الصورة التي كانت لا يراها سوى الأهل، أصبحت متاحة للجميع من أجل زيادة المشتركين في القناة أو زيادة المتابعين.

يا أمة ضحكت على جهلها الأمم، ويا جيل لا يتباهى به، ويا أسفا لتلك السنوات التي كنَّا نعيش فيها بصفاء الذهن وحب الألفة وحياة الطيبين وجيل الطيبين وضحكات من القلب تنير الروح وتبهج النفس.. "صوّر.. صوّر" أصبحت تفقد معنى التصوير الحقيقي والغاية منه، أصبحت هذه الكلمة متاحة للجميع وبدون أي رقابة وبدون أي قيود وبدون أي وازع يعيدنا إلى صوابنا.

صرت أتمنى أن تُلغى الهواتف ويعود الزمن الذي جعل قلوبنا نقية وأيامنا بهية وطابت ليالينا واحتفالاتنا الرسمية، وكان التصوير من أجل التصوير فقط لا لمبتغيات أخرى ولا لنشر ولا لتجميع المشاهدات.

أسأل الله أن يردنا إلى طريق الرشد وأن نعود قلوبا بيضاء محلقة في سماء المحبة بعيدًا عن التباهي والحقد والبغضاء.