خبر بفلوس

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

في مستهل عبثنا بما يدور في الساحة من أقوال وأحاديث حول الوضع الراهن أجد أنَّ ما يسمعه ويقرأه المواطن العادي أقل بكثير مما يكون بين يدي الصحفي، فكما يعلم الجميع أن المعلومة تسري في المجتمع بسهولة ويسر وتؤثر في الكثير من أفراد المجتمع تأثيرًا عاطفيًا في الغالب؛ حيث يُقارن في العادة بين المعلومة والواقع المجتمعي فيميل إلى التصديق، وهي بهذا، أي المعلومة، تحمل المجتمع فوق استيعابه وطاقته حتى لا يجد الواحد فيه متسعا للفرز والتيقن لأنَّ طبيعة الأشياء متسقة ربما أو قريبة من بعضها، بينما الصحفي، إضافة إلى تلك المعلومات التي تسري في المجتمع، تكون له قنواته الخاصة للتيقن من كل شيء تقريبًا، وتبقى أمانته أو محددات نشر المعلومة هي العامل الأساسي للنشر.

يشحن أفراد المجتمع العاديين أنفسهم بمعلومات كثيرة من هنا وهناك، ويكاد ينفجر بين لحظة وأخرى بالأخبار، الأمر يسري على المتعلم، وغير المتعلم أو قليل التعليم؛ بل أصبح الأقل تعليمًا هو المبادر والمتحدث في كثير من مواضيع الساحة، ولعلي أسترشد هنا بقصة "القداحة" للكاتب الدنماركي هانس كريستيان؛ فمن يتصور تلك القداحة أن توصل جنديًا فقيرًا إلى سدة الحكم، هكذا إذا انقلبت الموازين، وهكذا سوف تنقلب قريبًا في مجتمعاتنا بالانصراف إلى امتلاك المعلومة.

ما يُميز غير المتعلم في الغالب الأعم أنَّه غير مخطط بخلاف المتعلم الذي يفكر كثيرا ويحسب أكثرهم للأشياء حساباتها الدقيقة، ونقول في الغالب الأعم لأن الأمر لا يخلو من عكس ذلك، على العموم علينا تقدير ما يمكن أن يفعله غير المتعلم أو قليل التعليم مع المعلومة التي يحصل عليها، وكيف يقيمها؟ بل كيف تؤثر فيه؟ وبأي طريقة أو أسلوب سيتم التعامل معها من قبله؟ الحق أن ذلك يبدو مجهولًا ولا يُمكن التنبؤ بمآله.

ستمر مراحل الحياة وتصقل ذلك الفرد الذي سوف يتبين لاحقًا أنه استفاد من كل تلك التجارب وكم المعلومات التي دخلت إلى ذهنه دون حول منه ولا قوة، فيتعلم الكثير، الكثير الذي لم يتعلمه الآخرون ممن يمتطون صهوة العلم والمعرفة وكانوا ربما يسخرون من هؤلاء الأفراد كذلك الجندي في قصة "القداحة"، لأن الحياة العملية في المعسكر أو الحقل، أو العمل الصغير كالمراسل والفراش ربما تعمق فكرة الطموح في حال امتلاك المعلومة، ستدثره هذه المعرفة وتلك المعلومات الكثيرة التي تمر عليه حتى أنه لن يقع فريسة المعلومة المثيرة كحال الصحفي تمامًا، لكنه سيقيس بمقاييس أخرى فيأخذ ما يريد ويترك ما لا يمكن استيعابه أو فهمه لمقاييس الزمن والأحداث.

لا غرابة أبدًا أن الأحداث تتشابه بين الماضي والحاضر، لكن منابع المعلومة اختلفت أو الوسيلة التي نقلت به، ما يخطه الكُتّاب في الأزمنة السحيقة مشابه لما يحدث في مجتمعاتنا الآن، ولكن بطريقة أو بأخرى لا يمكن تطبيق كل شيء بمعزل عن العلم؛ فالتكنولوجيا لم تبق لأحد الاجتهاد والمحاولة العقلية الصرفة، والمعجزة أن ما يحدث في المجتمعات بشكل عام لا يتغير بتغير الزمان والتصرفات، الأحداث أيضاً لا تتغير عبر الزمان إلا من خلال امتلاك الإنسان لأدوات ووسائل مختلفة.

الضعف والوهن، المكائد والخيانات هي الأشياء المسيطرة في هذا العالم المادي الصرف، فلا يكاد يخلو مكان من مستفيد مادي على مستوى وضيع، المهم المادة هي سيدة الموقف، والكل يريد أن يعيش في قصر عاجي ويمتلك الليموزين والسفينة الصارخة التي تجوب البحار، أما المُثل والأخلاق فهي في تهاوٍ أمام المادة (على الأقل عند كثيرين)، هي سيدة الموقف والجميع يعي ذلك، لكن القليل من يتعظ.

وعليه فإنَّ الصحفي هو من يعرف الأدوات ويعلم خبايا الأمور؛ فينشرها كيفما شاء، أما من أخفى ذلك فمهما امتلك من معلومات أو إحصاءات فإنه يكون أقل مستوى من غير المتعلم أو الأقل تعليمًا في دولنا، أراد أن يحتفظ بالمعلومة حتى تنفجر به، ولست بعيدا عن القول: "يا خبر اليوم بفلوس بكرة ببلاش".

تعليق عبر الفيس بوك