ماذا تركتم لهم؟!

 

حمد بن سالم العلوي

عندما تطّلع على بعض التغريدات لمن يزعمون- أنهم عُمانيون- تجدهم يجلدون الوطن من خلال التّسفيه بالمسؤولين والمنجزات الوطنية، وكأن لا أحد عمل مثقال ذرة ليرتقي بالوطن! فتجد نظرتهم التشاؤمية والسوداوية لا تُطاق، فعلى سبيل المثال؛ يقول أحد المغردين، وذلك بعدما وضع محورا لحديثه بين قوسين ليُعلق عليه "وتتميز سلطنة عُمان بموقعها الجغرافي" فيقول: وحدي ما شفت فايدة لهذا الموقع.. لا صرنا دولة سياحية، ولا صرنا دولة تجارية، ولا صرنا دولة صناعية.. الجبن واللبن نستورده من شركة كذا.. والعيش نستورده من دولة كذا.. والموز نستورده من دولة كذا.. حتى القاشع والعوال والسح نستوردهم من دولة كذا.. وبعدين يختم كلامه بالقول: "وسلملي على الموقع الاستراتيجي"!

ويأتي آخر ويكتب مقالة طويلة عريضة ليذم فيها مطار مسقط الدولي، ويضع عنوانا له "مطار أشباح" ويُعدد كل مثالب الدنيا ويلصقها بهذا المطار، ويرفع بالمديح مطارات الدول الأخرى، ويُغدق عليها وعلى من يديرونها بكل ألوان البداهة والذكاء الحكمة، فيصب عليهم الكثير من الإعجاب والرضا، وذلك بكلام له بداية وليس له نهاية. والحقيقة إنني قليل السفر، ولكن رغم تلك المرات القليلة التي سافرت فيها، لم أرَ تلك الأشباح التي تكلم عنها، ذلك الكاتب في مطار مسقط الدولي؛ بل وجدته مزدحماً بالبشر بين مغادر، وقادم، وعابر، إلا إذا كان نظري ضعيفا ولا يستطيع التمييز بين الجدران والبشر والأشباح!

وإذا جئت للمقارنة بين ممن يزعمون أنهم عُمانيون وغير العُمانيين، ممن يتكلمون عن تطور مذهل وسريع لسلطنة عُمان في كافة الاتجاهات وعلى رأسها مطارات عُمان، وكذلك الإشادات الدولية بهذه المرافق، وتطورها الكبير "المذمومة من قبل البعض" والذين يتسمون بأنهم عُمانيون، والتطور الممدوح من الغرباء المنصفين، فلا أحتار من أصدق لأنني أجد واقع الحال يصُف بجانب الزائرين، ولا يقف مع الذّامين ممن يزعمون أنهم وطنيون. وقد أكون أنا أصدق منهم بالشهادة في حق عُمان، لأنني من جيل ما قبل نهضة السبعين، يوم كنَّا نذهب من قريتنا للتسوق من صحم أو صحار على ظهور الحمير، ونأخذ في الطريق ذهابًا وإيابًا 5 أيام، ولابُد من مساعدة الحمار ليتجاوز رفصة الشوعة في قمة نجد الوقبة، واليوم نقطع تلك المسافة في عشرين دقيقة للذهاب، وما يماثلها في العودة، والنجد تعبر من عليه الشاحنات الثقيلة، ومختلف المركبات بكل الأحجام بسهولة ويسر.

إذن.. اسألوا جيلي أنا عن تطور عُمان، ولا تسألوا أولئك الذين يقتنصون أخبار التأريخ عبر صفحات تويتر أو الواتساب، وأسالوا الذين كانوا يصنعون التاريخ بأيديهم، لا الذين يصنع لهم الآخرون تأريخهم، وستعرفون قيمة التطور، أما "المتسفِّرة" من أمثال هؤلاء النقاد عبر شاشات الهواتف المحمولة، فإن أحكامهم التي يطلقونها عن تطور عُمان، لن تكون حقيقية لأنهم يرون العالم فقط من خلال الشاشات الافتراضية، لذلك يظنون أن التطور يأتي على طريقة "مصباح علاء الدين" فكلما أكثرت الحك على زجاج الفانوس يكبر المارد ويقوى، وعندئذ تطلب ما تشاء، وأن الدول تقيَّم بحسبما يُنشر على صفحات توتير.

إنَّ عُمان هذه التي تتكلمون عنها بهذه الحدّية من الذم والقدح فيها، كانت قبل 23 يوليو 1970م تنام في سبات عميق، وتعد مجرد قطعة من جغرافية القرون الوسطى، وكنّا نحن الذين ما زلنا نعيش بين ظهرانيكم حتى اليوم، نجوب مُعظم جغرافيتها سيرًا على الأقدام، أو بواسطة الدواب المسخرة لنا- رحمة من الله- لنقل أثقالنا، ويوم ظعننا من مكان إلى آخر.

لا شك أن طموحنا ينظر إلى تطور أفضل من هذا التطور، ولكن لا ننكر كل هذا الذي أنجز لحد الآن، ولا ننسفه بتغريدة على صفحات تويتر، أو بمقالة نكتبها وننشرها في الواتساب، فهذا إجحاف ما بعده إجحاف في حق الوطن.. والقائمين عليه، ولا ننكر أن هناك بيروقراطية إدارية مقيتة، ولكن الأمور تصحح بالنقد المعقول وغير المبالغ فيه، لا تهدم بالمعول المثلوم حتى إذا هدم شيئا شوهه.

إذا أنتم ممن تزعمون أنكم عُمانيون، ووطنيون أكثر من غيركم، وتقولون كلامًا أشدُّ وطأة من كلام الحساد والأعداء، الذين يجلسون بالقرب منِّا في مناقرة يومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي صحفهم الصفراء المخصصة للكذب والافتراء على الغير، وقد انتهجوا نهجًا يقوم على هدم جدار الجار، ليكون أدنى من جدارهم المبني بغير ساسٍ يقف عليه، ولأنهم عجزوا عن تعلية جدارهم الذي أسس في ظلام الليل على غير هدى، ولا أقصد هنا جدران الحصا والطابوق، وإنما جدران العفّة والعزّة والقيم النّبيلة والأخلاق الحميدة.

إنّ الدول لا تقوم على التمنِّي، وذم كل شيء بسبب ودون سبب، وإنّما بالتشمير عن السواعد، والجد في العمل من حيث أنت، لأن البناء يكون تكامليا، لا بالانتظار حتى يرحل الآخر فتحل أنت محله، وقد جرّبنا رحيل بعض المسؤولين، والذين عُيّنوا بعدهم لم يغطوا نصف ما قام به الأوائل، ولا أحد يعرف سرًا لذلك، بالرغم من كثرة الناقدين يوم ذاك، فتحولوا اليوم إلى ذامّين للمسؤول الحالي، ومادحين للمسؤول الراحل من الوظيفة، وكما يقال: "رضا الناس غاية لا تدرك.. ولكن رضا الله لا يترك".

علينا أن ننصف الناس، ولا نبخسهم حقهم في الإنجاز، وما أكثر ما سمعنا من قول زائف، وعندما تأتي لواقع الحال تجد الأعذار بين المعقول واللا معقول.. إذن فلننصف الناس في نقدنا، ونرفق بالوطن ولا نكون عونًا لشماتة الشامتين، وكيد الكائدين، وحسد الحاسدين، ولنكن لوطننا خير معين وبالحق عنه مدافعين.. بالله نتوكل ونستعين.