لعبة شد الحبل السياسية

 

عائشة السريحية

يقف الدب الروسي أمام الجميع ممسكا بطرف الحبل، مُعلنًا أنه قد شبَّ عن الطوق ولن يرضى بما تمليه عليه بلاد "العم سام" حسب قوله، أو ما تنوي فعله بلدان القارة العجوز وتشكل تهديدا لأمنه القومي كما يرى، ولو أن ذلك الصراع كان امتدادا لتاريخ حرب شرسة وأخرى باردة طويلة أكلت من مراعيها التحالفات والتكتلات السياسية على خريطة العالم، منذ بدء تكتل حلف شمال الأطلسي وأعقبه تكتل حلف وارسو.

وامتدت تلك الموجات ما بين تفكك وتجديد وما بين حروب بالوكالة، ومواجهات مباشرة، فقد كانت الأطراف تنتهج لحين قريب طريق سياسة القطب الواحد، ومن "استطاع يطاع"، ونعود للحبل الذي يمسك طرفه الآخر بلد القمح والغاز ورهانات العالم أوكرانيا.

الأمر يشبه كثيرا لعبة شد الحبل، لكنه حبل شائك، تدمي أطرافه أيادي اللاعبين، وتنضم للطرف الأول قوى لا يستهان بها، وللطرف الثاني قوى لا يستهان بها أيضًا، وتبدأ موجات الشد والجذب، ومع كل شدة، فإن الجمهور يشعر بالألم والمرض، وتتخبط قراراتهم، حول إلى أي طرف يجب أن ينضموا، الأمر ليس طعاماً على قائمة، ولا مشروباً على طاولة، إنه قرار يتخذ بتأن وبصيرة، ونظرة عميقة للتاريخ، وقراءة متفحصة للموقف، وميزان للربح والخسارة، فسيد التحالفات هو المصلحة.

العالم اليوم أصبح رهين هذه اللعبة، فنبضات القلوب تتزايد مع كل تصعيد أو تهديد، لاسيما وأن التهديد لم يعد فقط بالسلاح الناري أو النووي، لقد تطورت قواعد اللعبة، ولم تعد تلك الأوراق القديمة صالحة للاستخدام، ولعل عقد صفقة سلاح بمليارات الدولارات، لا يرهب القوى العظمى، فهي لم تعد سوى بيع خردة قديمة، لدول تسعى للتسليح العسكري، لكنه في الحقيقة متأخر كثيرا عما وصلت إليه التكنولوجيا في أقطاب العالم الرئيسية.

لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية وقف الحرب أو تجميدها، لأن العدو هو ند مكافئ، دولة عظمى كانت تخشى من خروج ماردها يومًا ما، لعبة شد الحبل السياسية كما قلت لم تعد قابلة للتوقع والتكهن بما سيحدث، الوضع العالمي تغيرت دهاليز برمجته، فأصبح أمن الغذاء، والوقود، سلاح يرهب الجميع، ناهيك عن السلاح البيولوجي، وما من جزرة تعلق في العصا.

اللاعبون شمروا عن سواعدهم، التنين الصيني تنفس الصعداء أيضًا لإثبات وجوده على القمة فقد قام خلال العقود السابقة برفع اقتصاد أذهل العالم، بل جعل الأنظار الشرهة تحدق إليه كونه الحل والوجهة لكل سفن وشاحنات وطائرات العالم، فلا يخلو بيت من وجود منتجات صينية، بيد أنه يُعاني من التوتر السياسي أيضا، والعديد من المشكلات التي ترغمه على الانضمام للعبة شد الحبل واتخاذ موقف، ولديه ما لديه من مخاوف واضطرابات، ولنقس على ذلك بقية دول العالم وعلى مستوى القارات وكل بلد وحسب وزنه السياسي ومشاكله وأفضلية انضمامه وكيفيتها، فقد وضع لكل بلد (بعبع)، ووحش خزانة يخشى منه ويُقدم بعض التضحيات ليتخلص من رعب البعبع، شاء ذلك أم أبى، إلى أن أصبحت قارات العالم على صفيح ساخن، يشوبه الرعب من الأسلحة البيولوجية قبل النووية، ومن انقطاع الإمدادات الغذائية أكثر من الأسلحة النارية، وسؤال (ماذا لو) يحوم حولها، ناهيك عن خوف الشعوب وقلق العامة، والضغوطات التي ستتشكل على الحكومات، ولكن الهم الأكبر ليس بداية الحرب، وإنما ما سيحدث خلال وبعد الحرب، ومدى تأثر العالم بها، لربما أرهق الطرفان، ولربما انتصر أحد اللاعبين، ولربما خسر الجميع.

وفي ظل هذا الصراع الذي أقلق العالم، يظل التوجس والخوف ظاهرا على وجوه المُحللين، والساسة، ليس مهمًا أن تكون في بلد بعينه، فالكارثة ستطال الجميع والكل له نصيب منها، ولعل بعض الحكومات، ستضع السيناريو الأسوأ، وتستعد لقيام حرب أو حدوث مجاعة، فالعالم أصبح متغيرا وكل يوم وهو في شأن، بلا ضمانات ولا وعود، وكأن الخريطة قطع أحجية تتبدل مواقعها مع كل شروق، فإطلاق فايروس فتاك معدل جينيا مثلا! سيقتل إن حدث ما لا تستطيع قنبلة نووية فعله، والسلاح البيولوجي هو (نيرون روما) لكن بحالة عصرية، وحقيقة لا نملك من الأمر شيء، سوى الانتظار ولعل الزمن يُغير أو يغيب، أو ينهي مايحدث، فلم نعد في عصور الفوضى الخلاقة، ولعل المطابخ السياسية للقوى العظمى تخرج لنا بحلول تحفظ مياه وجوه الجميع، ويوضع الحبل على الأرض دون قطعه، فلا تقلق شعوب من نقص الغذاء ولا أخرى من فتك الأعداء، ولعل السلام يوما يجد طريقه نحو القارات، ويلفها بأجنحة القناعة والاطمئنان، ويقتلع رؤوس الشياطين التي تعشق سفك الدماء، لتهدأ الأرض ويستقر الحبل، إلى أن تعصف به الظروف مرة أخرى فتعاد اللعبة من جديد.