تربيون يؤكدون ضرورة المواءمة بين التعليم والأنشطة المدرسية

صقل المواهب الطلابية.. طريق نحو الإبداع وبناء المستقبل

 

الرؤية- سارة العبرية

 

تُمثل الأنشطة المدرسية بشقيها البدني والعقلي أهمية كبرى بالنسبة لأداء الطلاب وتميزهم في حياتهم، إلا أنَّ الموازنة بين ممارسة الأنشطة والتحصيل الدراسي تنطوي على تحديات عديدة.. لكن في المقابل يؤكد تربويون وأولياء أمور أنَّ الجمع بين الدراسة والأنشطة يسهم في صقل مواهب الطلاب، وشق طريقهم نحو الإبداع والتميز.

وقد يكون تحقيق ذلك التوازن بالنسبة للطلاب في مراحلهم التعليمية المختلفة خاصة في بداية العام الدراسي أكثر صعوبة؛ كون الوقت والجهد الذي تستهلكه متطلبات التعليم المختلفة من يوم الطالب، يزاحم تلك الأنشطة رغم أهميتها.

وقبل أيام أعلنت وزارة التربية والتعليم عن استراتيجية الاتحاد العماني للرياضة المدرسية التي تمثل نقطة تحول محورية في أعمال الاتحاد، والمستقبل المنظور المرجو له في التأثير، وإضفاء القيمة على حقل الرياضة المدرسية، الذي يعد نواة تأسيسية ليس فقط على مستوى تأهيل الكفاءات الرياضية في الأنشطة الرياضية المختلفة، وتتعدى رسالته التأثير على قيم ومبادئ المُنتمين إلى الحقل التربوي وإكسابهم المعارف والمهارات والأدوات المُثلى التي تمكنهم من بناء نمط حياة صحي متزن وترسيخ رؤية واعيةٍ للتوفيق بين التحصيل المدرسي، وممارسة الرياضة المدرسية والنشاط البدني.

ترتيب الأولويات

وقالت نجاة الريس معتمدة بالاتحاد الدولي في الذكاء الاصطناعي بالسعودية إنَّ الموازنة تتطلب بذل قدر من الجهد في مواجهة تحدي ترتيب الأولويات في اليوم الدراسي للطالب إلا أنه بالإمكان تحقيق ذلك التوازن من خلال بعض الإرشادات البسيطة ذات الأثر الفعّال كتلك التي أوصت بها جامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية ضمن برنامجها لمساعدة الطلاب.

وأوضحت أن توصيات جامعة "جونز هوبكنز" والدراسات تتمثل في التركيز على المهمة التي بين يدي الطالب؛ حيث إنَّ القلق بشأن ما لا يفعله الفرد يعمل على استنزاف الطاقة ويشتت التركيز ويقلل الإنتاجية، مشيرة إلى أن أهمية ألا يكون العمل والدراسة ذا تأثير سلبي على قضاء وقت ممتع مع الأقران.

وحثت الريس على إعداد جدول أسبوعي منظم للمهام، من خلال وضع فترات زمنية مناسبة للدراسة والأسرة والتمرين والأنشطة الأخرى وأوقات الراحة والترفيه. وذكرت أن من بين التوصيات تخصيص مكافأة شخصية في كل مرة يتم إنجاز مهمة أو عند الالتزام بالجدول الزمني أوعند إكمال المهمة قبل الموعد النهائي. كما دعت إلى أهمية تجريب أفضل الاختيارات، مثل أفضل وقت ومكان للدراسة ووقت للراحة.

وحثت الريس على إعداد خطط للتمارين والأنشطة الإبداعية خلال الأسبوع، داعية إلى السعي للتميز في الوقت نفسه.

وبينت أن تلك التوجيهات- على بساطتها- ستعمل على مساعدة الطلاب على تحقيق الموازنة المطلوبة، مضيفة أن الالتزام بتطبيقها سيعمل على تجويد أداء الطلاب وزيادة إنتاجيتهم على المدى البعيد.

ومضت الريس قائلة إن أساس تلك التوجيهات يعتمد على تكوين منظور ذهني يساعد الطلاب على تحقيق التوازن بين متطلبات التعليم والأنشطة المهمة لجودة حياتهم.  وبإمكان المربين والمعلمين الاستعانة بها في توجيه الطلاب نحو إدارة المطالب المتضاربة بين المدرسة والأنشطة خارجها.

دراسات علمية

وقال سعيد الكلباني باحث في القضايا العامة إنَّ الدراسات العلمية تشير إلى ضرورة ممارسة الأنشطة البدنية والعقلية للطلبة لأنها تحسن من ردود الفعل ومعالجة المعلومات وحل المشكلات علاوة على إكساب الصحة البدنية، وهي بذلك يمكن اعتبارها جزءا من العملية التعليمية والتي ينبغي أن يحقق التوازن بينهما حسب عمر الطفل والطالب.

وذكر الكلباني أن ممارسة الأنشطة جزء مهم في وقت الطفل والطالب لارتباطها بأبعاد اجتماعية، لأن ممارسة كثير من الأنشطة تتطلب مجموعة من الأشخاص وهذا يدعم بناء روابط اجتماعية وتبادل الأفكار والحرص على تحقيق العدالة من خلال الحدث الذي يمارسه مع فريقه، وعلينا دعم ذلك في ظل العزلة التي يدخلها الأطفال مع أجهزتهم في العالم الافتراضي.

فيما أشارت كاملة السعيدي موجه فني بوزارة التربية والتعليم بدولة الكويت، إلى أن ممارسة الأنشطة التي تنمي المهارات العقلية والجسدية للمتعلم مُهمة جدًا؛ لأنها تمنع عن الطالب الملل وتثري شخصيته وتحفزه على الاجتهاد في دراسته إن تمَّ تنظيم الوقت لهذه الأنشطة، والتوازن مطلوب بين أداء تكاليف المدرسة والاستعداد للاختبارات وممارسة الأنشطة، فبحسب العمر ونوع النشاط يحدد الوقت بما لا يؤثر سلباً على تحصيله العلمي.

بيئة خاصة

من جهتها، قالت جوخة الشماخية تربوية ومدوّنة في مواقع التواصل الاجتماعي إن تحقيق الهدف من الأنشطة يستلزم توفير بيئة خاصة مهيّأة لممارسة تلك الأنشطة، فالممارسة والتطبيق عنصران مهمان، فدونهما لن يتقن المتعلم أنشطته، ولن يُبدع فيها؛ لذا ينبغي أن تتوافر في المدرسة قاعات مُعدّة لكل نشاط، ويكون المعلمون مدرّبين ومؤهلين لتدريب طلابهم، وتشجيعهم، ومتابعتهم، ممّا يساعدهم على إبراز مواهبهم ومهاراتهم، والارتقاء بها، فيُصبحون قادرين على الدخول بها في منافسات محلية ودولية وعالمية.  

وأوضح محمد بن حمد البلوشي مدير مدرسة الفاروق بالبريمي أن ممارسة الأنشطة لها دور كبير في بناء شخصية الطالب كالرياضة المدرسية التي تنمي الجانب المهاري والبدني لدى الطالب فتكسبه مجموعة من المهارات العملية وتنشط جسمه من خلال مُمارسة العديد من الرياضات المختلفة في المدرسة. ويرى البلوشي أن الأنشطة تعمل على صقل مواهب الطالب وتنمية الجانب الإدراكي لديه إلى جانب التحصيل العلمي، وكذلك أيضا النشاط الأدبي الذي يمارسه الطالب في المدرسة كالخطابة وفن الإلقاء والشعر يعد معززا للجانب التحصيلي للطالب؛ حيث تجتمع كلها وتخلق نوعا من التوازن بين متطلبات التعليم وممارسة هذه الأنشطة التي تنمي العقل والجسم.

من جانبها، قالت يسرى العلوية مديرة مدرسة اليُسر بمسقط "إن ممارسة الأنشطة تأتي أهميتها من انعاكسها على الطالب بكل المقاييس سواء كانت قدرات إدراكية أو بدنية أو نفسية وهذه تندرج ضمن دور المعلم الممتاز وأيضاً من جانب المدرسة"، مشيرة إلى أن الأنشطة الصفية هي أنشطة جماعية؛ حيث يتعين توزيع الأنشطة مع مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب وتنشيط المدارك الحسية.

وأفادت بدرية النبهانية باحثة ومدير تحرير مجلة "إشراق" الإلكترونية بأن هناك أنشطة تعليمية تقدم في إجازات نهاية الأسبوع لتنمية مهارات التفكير والابتكار لدى الطلبة، مضيفة أن هناك دورات لمهارات السباحة والرياضة وركوب الخيل مخصصة ليومين في الأسبوع يمكن للطالب أن ينمي موهبته فيها بما لا يؤثر على سير تعليمه.

وأوضحت النبهانية أن هناك عوامل عديدة تؤثر على المواءمة بين الدراسة والأنشطة منها الفئة العمرية والمرحلة الدراسية، إضافة إلى نظام التعليم الصباحي والمسائي الذي أخذ في الانتشار في مختلف محافظات السلطنة، مشيرة إلى أن  العامل الأساسي في الموازنة هو الوقت فيجب تنظيم الطالب لوقته بين متطلبات الدراسة والأنشطة المختلفة، وعند ممارسة الأنشطة سواء داخل البيئة المدرسية وخارجها لابد من تحديد ساعات معينة بحيث لا يتجاوز الوقت المخصص للدراسة؛ لذا نجد بعض الطلبة بعد عودتهم من المدرسة يقضون وقتهم في الملاعب والشواطئ وهي فترة لا تتجاوز الثلاث ساعات.

وأوضح محمد العنزي معلم في مدرسة الرؤية ثنائية اللغة بالكويت، أن الأنشطة التي يقوم بها الطالب بعد المدرسة تعتبر أنشطة ترويحية تحتوي على صقل مهارة أو حرفة أو ترفيه يفرغ طاقته ويساعده على ارتفاع التركيز لديه، فيجب على ولي الأمر أن يجد الوقت المناسب لابنه لممارسة هذه الأنشطة، ويقنن قدر الإمكان من النشاط المفيد والمضيع للوقت.

الموازنة مطلوبة

وذكر حمود المبسلي معلم بمدرسة السلطان قابوس بالبريمي أن التعليم وممارسة الأنشطة يحتاج إلى تنظيم الوقت وتحديد الأولويات ليس شرطا أن تكون ممارسة الأنشطة بشكل يومي، ولكن يمكن جعلها على فترات وأوقات تتناسب مع متطلبات التعليم بصورة لا تؤثر على المستوى التحصيلي؛ لذا نجد الكثير من الطلبة ينظمون أنشطة رياضية في أوقات معينة من أيام الأسبوع وليس بشكل يومي، بعضهم يلتحق بدورات علمية وثقافية في أيام محددة من الأسبوع، وبشكل طبيعي تقل ممارسة هذه الأنشطة في أيام الامتحانات للتركيز على المستوى التحصيلي.

وأكد عمر الزدجالي مُعلم ومُقدم "درس على الهواء" أهمية التنظيم بين الدراسة وممارسة الهوايات وحث الطلاب عليها وذلك لمساعدتهم على الاستمتاع والاستفادة من أوقاتهم بالطريقة الأمثل.

نصائح وإرشادات

وتوجه كاملة السعيدي أولياء الأمور إلى تنمية ميول أبنائهم والسماح لهم بممارسة ما يحبون طالما أنهم لن يقصروا بالدراسة، وأن مشاركة أولياء الأمور في تعليم أبنائهم عملية يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، والأنشطة قدم الباحثون لها معانٍ وتعريفات متنوعة، ففي السابق كان ينظر لهذه العملية بأنها تتركز حول دور ولي الأمر في دعم التعليم المدرسي، وفقاً لشروط وتوجهات المدرسة.

بينما تشدد يسرى العلوية على أهمية التكاتف في التربية ما بين المعلمين وأولياء الأمور في صقل مواهب الطلاب، فأصبح الطلاب يكرهون الدراسة من الإحباطات التي حولهم؛ حيث أكبر إساءة تقدم للعلم حين يربط بالوظائف والترقيات، فالطلاب عبثوا بالعلم، لأنهم لا يريدونه إلا للوظيفة ويرمون الكتب بعد الامتحان ويشترون الأبحاث من المكتبات، والأساتذة يكتبون أبحاثًا ضعيفة، لأنهم لا يريدون سوى الترقية وبذلك يفسد العلم والأخلاق.

يسرى العلوية.jpg
نجاة الريس.jpg
محمد العنزي.jpg
محمد البلوشي.jpg
عمر الزدجالي.jpg
سعيد الكلباني.jpg
حمود المبسلي.jpg
جوخة الشماخية.jpg
بدرية النبهانية.jpg
 

تعليق عبر الفيس بوك