صمت الحكمة.. وواجب الحديث

 

عائض الأحمد

لم تعد حياة الكثيرين ذات معنى، إن لم يكن له صفة تتماشى مع هذا العصر الذي صنعناه وتفننا في إرساء معالمه شكلا ولونا، واستماتت المنظمات والهيئات "الدولية" في فرعنة وشيطنة البشر من أجل ترويج هذه السلعة البائرة، لنهب مقدرات الفقراء والاستيلاء على مفاصل قوتهم، فمن رضي فله الرضا ومن أبى فله السخط، والويل من عاقبة الأمور، وأقلها التجويع والتهديد، ونشر الكذب واختراع القصص والأساطير وبعث خرافات العصور الوسطى.

 

يتنازع "كبار" العالم ويسير غير مخير، من يعتقدوهم مجموعة ضغط، يتجاذبوهم كيفما شاءوا، وقود نزاع يشعلوا فتيله أحياناً للتسلية وربما لرهان يعلم أكثرهم أنه خاسر، أو ترهيب لقياس نتائجه للأخذ بها ولو بعد حين.

حينما تستتر ضمائر الأمم بحجج واهية، كيفها أهل المنافع الخاصة لتفسد الأفكار وتنهار معها القيم، ويتداول السفاء شأن العامة، يخرج لنا عالم مشوه يعشق الرمزية ويفاخر بما أوقعه بالآخرين من هزائم لا تعدو غير انتهاكات لحقوقهم، وفصلا من فصول الغطرسة والكبرياء وتعظيم الذات، وكأن العالم قريته، وهؤلاء البشر حاميته، يقول فيطيعون ويرفع صوته فيخروا له ساجدين.

لم يعد الصمت حكمة؛ بل أصبح واجبًا يصل حد الفريضة لمن لم يحسن الصراخ، وارتمى في أحضان الزور وقلب حقائق الأمور، يجند إعلام التماهي مؤيدا ومساندا دون أن يتحرى صدقا أو ينكر كذبا.

 يبتلع أعضاءه وكل مواطن إحساسه، ويخرج لنا نظرية العالم أصبح أسرة واحدة، فهزة الشرق تثير الغرب لأن المصالح تقاطعت هنا، وإن هبت رياح جافة سار عكسها حتى لو وقع معك بماء الذهب.

متى يسرقون؟

في أحد أحياء العاصمة اللاتينية يعيش سكان الحي الراقي والكل يعلم بأنهم لصوص لاشيء يمنعهم من السرقة، وفي أحد الأيام خرج أحدهم بتذكار نادر زعم أنه لجدته، وهو يعلم بأنه لن يراه مرة أخرى فقال إنه لعنة لمن يضع يده عليه وستلاحقه الأرواح الشريرة وتقتله ولو بعد حين، ثم أوصى خادمه ضعه في مكان يسهل سرقته دون عناء، واجعل عينيك عليه، وبعد انتهاء الحفل كانت تلك السيدة تحمله خارج المنزل وهي تبتسم وتشير بيدها إلى شقيقها لن ترى روحا بعد اليوم لقد عاد دون أن تستحضر كذبة أخرى اللصوص يعرفون متى يسرقون.

ختامًا: من عاش وتربى في ظل دكتاتور لن تقنعه بأنَّ التسامح والحرية مصدر قوة.

*****

ومضة:

الدراسات تقول الاعتقاد السائد يعني سيادة الفوضى، ليبقى العالم حبيس ديمقراطيات الأفراد، بعيدًا عن أغلبية الشعب كما هي الصناديق المغلقة ومن يتعامل معها.

 

يقول الأحمد:

الوحدة وسط هذا الجمع كرامة لن يشعر بها مرجف.