موظفو ثقافة "الممنوع"

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

 

كل شيء يتغير من حولنا، ونحن كدولة ضمن هذه الدائرة التي تحاول اللحاق بركب العصر، وعدم التقهقر للوراء؛ لأن أي بطء أو تباطؤ في التغيير أو مواكبة التحديث الإداري والتكنولوجي العالمي معناه أن نتأخر بألف سنة ضوئية عن العالم، ولكي تحقق الدولة تقدما في أي مجال؛ سواءً اقتصاديا أو تجاريا أو تنمويا، فهي بحاجة لكوادر مدربة ومؤهلة من ناحية، ومدركة لحجم المسؤولية، وعظم المهمة والمرحلة من ناحية أخرى.

وأهم عنصر من عناصر التَّقدم هو "الموظف" الذي يجب عليه أن يفهم دوره، ومسؤولياته وواجباته، وأن لا يكون مجرد "آلة" تنفذ، وتضع العراقيل- من حيث يدري ولا يدري- أمام مسيرة التنمية بشتى صورها وأشكالها.

فحين يكون الموظف قاصرًا في فهمه، وغير مُدرك لحساسية المرحلة، وحين يبحث عن الممنوعات والعراقيل ليضعها في وجه المواطن، أو يكتفي بالرد الجاهز، دون أن يكون له دور في تسهيل الإجراءات، والبحث عن الحلول، فذلك معناه أن هذا الموظف غير كفء لإدارة جهاز الكمبيوتر الذي أمامه، ويجب البحث عن بديل آخر أكثر كفاءة، وحيوية، وإيجابية؛ فالمرحلة التي نعيش فصولها حاليًا لا تحتمل وجود أنصاف أدمغة، ولا تحتاج تهاون أو تكاسل موظف في أداء واجباته؛ بل هي مرحلة دقيقة وحساسة، تحتاج إلى تكاتف الجميع، والعمل بتلك الروح الجماعية التي تدرك حجم المسؤولية، وتفهم المشكلة، وتقوم بحلها، لا أن تعقدها، وتحبط المواطن، وتتخلص من المراجع بأبسط السبل، وأقصر الطرق من خلال الكلمة السحرية التي أصبحت ضمن قاموس الوزارات وهي كلمة "ممنوع"، دون أن تبحث عن الحلول التي تُعالج المشكلة، ودون أن تكلف نفسها بالبحث عن سبل تبسيط الإجراء، أو إيجاد مخرج قانوني أو إداري لهذا المراجع.

لقد أصبحت المركزية هي سمة الإدارة المؤسساتية الحالية، رغم تلك الشعارات التي تنادي بالتخلص من هذه العقدة الإدارية العتيقة / الحديثة، والتي تحد من مرونة العمل، وتقلص مساحة الإنجاز، وتعطل مصالح الناس؛ حيث بات الموظف غير قادر- في كثير من الأحيان- على البت في موضوع مُعين إلا بالرجوع للرئيس الأعلى؛ بل وتجد أنَّ بعض الموظفين غير قادرين على استيعاب مهام العمل، وبالتالي غير مقدّرين لعنصري "الوقت والجهد" المهدورين، واللذين يعطلان حركة التنمية بشكل عام، من خلال تراكم تعطيل مصالح الناس.. لذا فإنَّ على الإدارة العامة للدولة أن تنظر إلى الهدف البعيد المراد تحقيقه عام 2040، وتسهيل الأدوات التي يجب استخدامها للوصول إلى هذا الهدف.

إنَّ العالم المتقدم من حولنا، يقوم على عنصرين مهمين هما، أولا: توفير الجهد والوقت، وثانيا: اختزال واختصار  الإجراءات بأبسط وأسرع الطرق، وبأقل التكاليف الإدارية والمالية الممكنة، أما ما يحصل لدينا فهو- للأسف- تأخير المعاملات، و"تنقيط" المستندات المطلوبة لإنجاز طلب ما، بمعنى أن يطلب الموظف كل مرة مستندا معينا من المراجع، وكأنه ينجز المعاملة "بالقطارة"، وتخيل بعد ذلك كم الوقت والجهد والمال الذي تم إهداره، في زمن لا يحتمل التأخير، ويتطلب سرعة الإنجاز إن أردنا خلق ثقافة عمل حقيقية، وواقعية، وعملية، أما إذا تركت الإدارات العليا في المؤسسات الحكومية موظفيهم يتلذذون بتأخير المعاملات، وتعطيل مصالح الناس، فسنظل في مؤخرة الركب، مهما حاولت بعض الجهات الإحصائية والرسمية تلميع الصورة، وبث مؤشرات أداء لا يراها المواطن إلا في وسائل الإعلام، ولا يلمسها إلا في خيال ثقافة موظفي الـ"ممنوع".