حلول وأفكار لاستثمار وتنمية أموال الوقف

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

في هذا المقال سنتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية وهو من المواضيع الاجتماعية والاقتصادية التي تستحق الاهتمام والوقوف عندها، من أجل تحقيق أعلى معدلات النمو والتطوير لمستوياته ألا وهو "الوقف".

في المجتمعات الإنسانية والإسلامية يمثل "الوقف" ركيزة أساسية من ركائز التنمية المُستدامة، كونه قائماً على أساس الديمومة والاستمرارية، ويعد من أهم المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وعاملا مساهما وشريكا فى بناء المجتمعات الإنسانية والاجتماعية، ويعد بمثابة مؤسسة اقتصادية لها دور بارز ومهم في الحد من مشكلة الفقر، وقلة معدلات دخل الفرد، وزيادة روابط التكافل المجتمعي، فضلًا عن استثماراته في تأمين الدخل المناسب لصرفه في مواطنه المحددة، دون التهاون فى الأصل والعين الموقوفة.

ويعد الوقف أهم صدقة مالية تطوعية لها صفة الثبات والاستمرارية وأداة من أدوات النظام المالي في الاقتصاد الإسلامي ويعمل على تأكيد الهوية الإسلامية، وتحقيق المقاصد الشرعية، فضلاً عن مساهمته في توفير فرص العمل، ويمثل ركنا رئيسيا من أركان القطاع غير الربحي، إلى جانب كونه أداة من أدوات التكافل والتعاون والأمان الاجتماعي.

ولا بُد أن نعرّج أولا على بعض أهداف الوقف وهي: سن الوقف امتثالًا لأوامر الله عزّ وجلّ بالبذل والإنفاق، وتحقيق مبدأ التكافل والتعاون والتعاضد بين أفراد الأمة، والتوازن الاجتماعي حتى تسود المحبة والأخوة ويعم الأمن والطمأنينة والاستقرار، فضلا عن ضمان بقاء المال ودوام المنفعة به واستمرار العائد من الأوقاف المحبوسة، وكذلك تحقيق أهداف تنمية المجتمع في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها، علاوة على صلة الرحم وضمان مستقبل ذوي القربى وذوي الحاجة لئلا يصبحوا عالة على غيرهم.

ولا شك أن الحكومة الرشيدة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قائمة بدورها الريادي المتمثل في عملية إدارة أموال الأوقاف، بيد أن اليوم وفي ظل هذا العصر المتجدد والتطورات المتسارعة والمتجددة أصبح "الوقف" بحاجة إلى النهوض به، وبما يجعل منه استثمارًا رافدًا مهمًا للتنمية الشاملة المستدامة لسلطنة عمان، ويحتاج إلى مزيد من التطوير والتجديد في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة.

قديمًا كان الوقف في المجتمع الإسلامي لاعبًا أساسيًا وله دور مهم على صعيد التنمية الاجتماعية، بينما في عصرنا هذا شهد تراجعًا كبيرًا. إذن أين تكمن المشكلة؟

من وجهة نظري أن "الوقف" كونه نظامًا إسلاميًا كان يتمتع بالاستقلالية عبر التاريخ الإسلامي، وعبر حقب الدول الإسلامية السابقة، فقد كانت إدارته تحت مسؤولية ما يسمى "ناظر الوقف" بعيدًا عن تدخل الدولة. وهذا يبين لنا وللقارئ مما سبق ذكره أن "الوقف" لم يكن مجرد شعيرة إسلامية، وإنما بمثابة رافد مهم وممول مباشر للحضارة الإسلامية آنذاك.

وتعددت أساليب وطرق الاستثمار ووسائله للحفاظ على الأوقاف، وبما أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هي المسؤولة عن إدارته وطرق استثماره وتنميته، لذا نطرح بعض الحلول والطرق والإجراءات التي قد تساهم في استغلال هذه الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل وهي بحد ذاتها إضافة قيمة وجيدة إذا ما تمَّ العمل بها وهي كالآتي:

أولًا: إنشاء جهاز استثمار متخصص للأوقاف تحت اسم "جهاز استثمار وتنمية أموال الأوقاف"، أو إنشاء أمانة عامة تُعنى بإدارة وتنمية وتطوير الأوقاف، بحيث يحظى باستقلالية إدارية ومالية وبإشراف من وزير الأوقاف والشؤون الدينية، مع العمل على تعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من خلال استثمار العديد من العقارات الوقفية ضمن مشاريع تنموية واستثمارية.

ثانيًا: تُناط إلى الجهاز المعني أو الأمانة دراسة عمل وإعداد بنية أساسية فاعلة وحديثة جاذبة للاستثمار من خلال تطبيق أفضل الممارسات والمعايير في الإدارة الاستثمارية وتحسين بيئة الاستثمار وتطويره حتى ينعكس إيجابًا على ازدياد الوقفيات ويعظم رأس المال الوقفي.

ثالثًا: تطوير وتحديث ومراجعة التشريعات والقوانين الخاصة باستثمار أموال الوقف وتنميته لمواكبة تطورات ومُتغيرات العصر.

رابعًا: تبسيط وتسهيل الإجراءات الاستثمارية بما يضمن انتهاز الفرصة الاستثمارية وتسخيرها لمصلحة الوقف.

خامسًا: رفع كفاءة العاملين وصقلهم بالعلم والمعرفة وتدريبهم لتحقيق أثر أعمق في نفوسهم.

سادسًا: رفع زيادة مساهمة الوزارة في تحقيق الاستدامة المالية، وتحفيز وتمكين القطاع غير الربحي لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040".

سابعًا: إعداد خطة اسثثمارية لتنمية مشروعات أموال الأوقاف العقارية من (الأراضي البيضاء)، وتنمية وتطوير استغلال العقارات القائمة من مبانٍ سكنية وتجارية وصناعية وسياحية؛ لتحقيق أكبر عائد ممكن سواء بتأجيرها أو بيعها بما يعود بالنفع الكبير وتحقق جدوى اقتصادية تبعًا لظروف ونوع العقار.

ثامنًا: إعادة دراسة وتقييم جميع مشروعات الأوقاف القائمة واقتراح أفضل الطرق والأساليب لاستثمارها بما يناسب وضع السوق العقاري.

تاسعًا: متابعة وتطوير استغلال وتنمية الأراضي الزراعية الموقوفة لبيت المال بغرض تحقيق أكبر عائد منها، أو بيعها أو استبدالها أو شراء أراضٍ زراعية أخرى بقيمتها بحيث تكون ذات دخل وعائد مجزٍ بما لا يتعارض مع اللوائح والقرارات المنظمة لذلك.

عاشرًا: أموال" الأوقاف" بحاجة لمزيد من الخبرات والتجارب العلمية والمهنية والمعرفية السليمة الخاصة بالوقف، لأن القطاع الاستثماري وقطاع الوقف لابد له من كادر مؤهل لديه معرفة وخبرات وكفاءات لديها معرفة بنظم التحليل والتدقيق المالي ومعرفة تامة بأساليب تسويق الفرص الاستثمارية للأوقاف.. فوجود البنية الأساسية  يحتاج إلى إدارة سليمة، لعقلية سليمة ومفكرة.. فضلا عن رؤية واضحة وشاملة لدى المعنيين بخصوص استثمار أموال الأوقاف.

إن الأمر يتطلب من المعنيين بالأوقاف أو القائمين عليها وبشكل كبير تفعيل قطاع الاستثمار بوتيرة أسرع؛ لأن قطاع الاستثمار بمثابة القلب النابض لوزارة الأوقاف، فعند وجود قطاع الاستثمار بالتالي ستكون هناك بلا شك إيرادات.. وهذه الإيرادات ستولد قدرة مادية لدى الأوقاف بتقديم النفقات الاجتماعية وغيرها.

وهنا يجب التخلص من النظرة الشائعة لدى الكثيرين بأنَّ الأوقاف ليس لها الحق في الاستثمار، وبالتأكيد هذا مرفوض قطعًا.

إن الهدف من هذه الاقتراحات والحلول، يتمثل في تمكين مساهمة القطاع الوقفي في تطوير وتنمية القطاعات غير الربحية، وتعزيز إسهاماته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتتكامل جهود الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة المالية، ووزارة العمل، ووزارة التنمية الاجتماعية، بحيث تنسق مع بعضها في سبيل تحقيق أهداف الخطة المتمثلة في رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي لتتناسب مع المعدل العالمي،  ويهدف إلى رفع نسبة المشروعات الخيرية ذات الأثر الاجتماعي الذي يتواءم مع أهداف التنمية الوطنية طويلة الأمد.

ندرك أن هناك دولا كثيرة سبقتنا في هذا المضمار وحققت قفزات هائلة في الاستثمار في القطاعات الصناعية، والتجارية والزراعية وغيرها، وبطبيعة الحال أن إيجارات الأوقاف في أيامنا منخفضة جدًا حتى صارت الأوقاف ملفتة لأنظار الطامعين. لذا بات من الضروري بمكان أن تحقق الأوقاف قفزات نوعية؛ سواء في الاستثمار في مجال الخدمات، فسلطنتنا العزيزة مليئة بالفرص الاستثمارية الوقفية، منها على سبيل المثال في قطاع الزراعة، فهناك مزارع كبيرة ومزروعات متعددة، فلماذا لا يتم استثمارها الاستثمار الأنسب والأفضل؟!

وإعادة تنظيم سياسة الاستثمار يسهم في حفظ مال الوقف الذي يحرم الاعتداء عليه أكثر من مال اليتيم، فمال اليتيم يخص شخصا واحدا، لكن مال الوقف يخص العديد من الأشخاص، ويجب إعادة جميع الأوقاف السابقة من الأشخاص الذين كانوا يُديرونها ويستغلونها بأسعار متدنية ولا تصل إلى عوائدها المرجوة.  

وفي الختام.. كلنا أمل وتطلع إلى مستقبل مشرق ومزيد من التنمية والتطوير في هذا القطاع الوقفي الحيوي المهم، وندعو الله تعالى أن يجعل هذا القطاع- الأوقاف- نموذجًا رياديًا متميزًا ورافدًا إنسانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ لأنه تعظيم لمال الوقف الذي هو مال الله سبحانه وتعالى، وخدمةً لمستحقي ريعه من الفقراء والمحتاجين والمساكين والمعسرين وغيرهم.