حسن عسولان.. أحبّه الناس وغنّى للوطن

 

علي بن سالم كفيتان

 

لا أعلم الكثير عن حسن، الذي فارقنا يوم الجمعة الماضي، وشيعته جموع غفيرة وسط دعوات الجميع له بالرحمة والمغفرة، وما هي إلا ساعات حتى أصبح وسم "حسن عسولان" يتصدر منصات التواصل الاجتماعي، فسألتُ نفسي- كما الكثيرين- كيف غرس هذا الشاب محبته في قلوب النَّاس؟ ربما بساطته وعفويته، وربما خلفيته الأسرية بكل تجلياتها، فقد عُرف عن بيت عسولان الإبداع الفكري والثقافي والفني والحضور اللافت.. إنهم أناس لا يمكن تجاهلهم ولا نسيان مواقفهم.

وربما يسمح لي القارئ باستحضار أحد أبطال السبعينيات من القرن الماضي من مؤسسي قوات الفرق الباسلة؛ وهو الشيخ سعيد بن مستهيل حبوت حذنون- عليه رحمة الله- الذي ينتمي لهذه الأسرة الكريمة، فما زلت أذكر يوم وفاته وتقدم الشيخ أحمد الخطيب- حفظه الله- ليؤم المصلين قائلًا: "هذا رجل كريم وله فضل عظيم على كثير من النَّاس، ولا نزكّي على الله أحدًا.. اخلصوا الدعاء لأخيكم".. اكتظت المدينة وشيعته ظفار برمتها، فالكل يتذكر مواقفه البطلة والشجاعة ووقفته الحاسمة إلى جانب السلطان الراحل، هذا الرجل هو أحد أعمام حسن، ولذلك كانت قصته مع "أنا وطني".

غنّى حسن لعُمان كوطن، وتمنى أن تُسجَّل أغنيته عبر القنوات الرسمية، وتُبث مع الأعياد والمناسبات الوطنية، وهذا ما لم يحدث للأسف، فتم تسجيلها بمبادرة شبابية وبُثت عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ لتحقق مشاهدات تفوق كل الأغاني الوطنية التي سجلها تلفزيوننا الرسمي. فقد صدح "بن عسولان" بكلمات كتبها بقلب مُحبٍ لعُمان، ولحنها بعوده ودندن بها؛ لتصل إلى مسامع كل العُمانيين، فصارت أيقونة يرددها الصغار قبل الكبار، فالراحل لم يُطلب منه نظم أغنية وطنية ولم يأتيه عرض من قناة رسمية؛ بل نظم أبياته البسيطة على خلفية جميلة كجمال ظفار الساحر ورسوخ جبالها الشامخة وصفاء إنسانها وعفويته، فعندما يعبر عن الحب تُطرق له الدنيا بأكملها، وعندما يغضب يُعطي روحه الزكية لبلاده دون مقابل من هذه البيئة المشحونة بالنفوس الكريمة والمواقف الخالدة غنى حسن: "أنا لست الجنوب... ولا أيضًا شمال... أنا من عُمان... روحي هنا دمي... فوصلت لكل دار في الغُبيراء".

فلماذا تجاهله الإعلام الرسمي؟!

سؤالٌ بحاجة إلى إجابة فحسن رحمه الله رحل دون لفتة كان يستحقها فهل سيمنح ابنه الصغير وسامًا رفيعًا يليق بما لاقته قصيدة أبيه "أنا وطني" من قبول شعبي منقطع النظير؟ يقيننا أن ذلك سيحدث لإيماننا بمواقف مولانا جلالة السلطان- أيده الله- الحانية على شعبه ومبادرات السيدة الجليلة- رعاها الله- مع المبدعين والمحتاجين لعين الرعاية السامية.

هذه الجبال والأرياف والصحاري تحتضن حبًا عظيمًا للوطن؛ فإنسانها جُبل على الحرية المطلقة لقبول الصواب بشكل عفوي ورفض الخطأ ولو بلغت مبرراته عنان السماء، ولهذا هم صداميون، وأحيانًا انتماؤهم الأزلي للأرض التي نبتوا من ثراها الطاهر؛ فنجدها تكرمهم وتغفر لهم زلاتهم، وهم يقبلون قسوتها وتعاقب مواسمها، فسيأتي يوم ويهطل المطر، وتخضر الأنحاء، وينعم الناس، وسيكبر ذلك الشبل الصغير ليغني للوطن "روحي هنا دمي"، وسنجد تلك الكلمات المعبرة في مناهجنا الدراسية مكتوب تحتها بخط صغير "كلمات حسن عسولان" شاعر عُماني مع نبذة صغيرة عن حياته التي مرَّت سريعًا، ولن استبعد أن تكون رسمات عمه الراحل تُزيِّن ذات الصفحة بلوحة وطنية خالدة؛ فهو كذلك رحل مبكرًا بعد أن رسمت ريشته معظم الصور والأشكال في مناهجنا الدراسية، ولهذا نجد الإبداع وراثيًا في هذه الأسرة التي لم ينصفها الزمن.

لقد كان المرحوم مشجعًا وداعمًا لأخيه اللاعب الوطني المبدع سهيل علي، صاحب الابتسامة الهادئة والانطلاقات المكوكية نحو المرمى، ومحترف تسجيل الأهداف الرائعة، لهذا رأينا نادي صلالة الوفي يقدم أحر التعازي لأسرة الفقيد على منصاته الإلكترونية، فكم هي اللفتات الطيبة للشيخ علي بن عوض الرعود فاضل مع كل من قدَّم للنادي، وهذه سجية طيبة جُبل عليها هذا الرجل الطيب وأسرته الكريمة.

انقشعت سحب الخريف عن جبال كنت تحبها؛ فالأرض مكسوة بلون الجنة، والينابيع تتدفق بهدوء مع نسمات الربيع اللطيفة، وشذى الأزهار يفوح من السهول الفسيحة والهضاب الخضيرة، والقمر مكتمل في كبد السماء.. لقد شيعتك ظفار صباح الجمعة يا حسن في أجمل حلة إلى الرفيق الأعلى... رحمك الله.