التعليم الإلكتروني.. ضرورة مستقبلية

 

د. سالم عبدالله حواس العامري

يشهد العالم تطورًا هائلًا في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وقد استثمرت العديد من الدول هذه التكنولوجيا لصالح تطوير المنظومة التعليمية لديها، حيث تبنت نظام التعليم الإلكتروني لأهميته وفوائده المختلفة.

وقد بدأ مصطلح التعليم الإلكتروني بالظهور والانتشار في بداية التسعينات من القرن العشرين، وقد تزايد الاهتمام بهذا النوع من التعليم في السنوات الخمس الأخيرة، وفي ظل تأثر قطاع التعليم في سلطنة عُمان بجائحة كورونا "كوفيد-19" وتداعياتها، والتي تسببت بإغلاق المدارس في جميع محافظات السلطنة، وغياب جميع الطلبة عن صفوفهم الدراسية الاعتيادية، الأمر الذي شكل خطرًا على مُستقبل تعلمهم، مما استدعى الانتقال سريعًا إلى التعليم الإلكتروني، كونه ضرورة ملحة للحفاظ على استمرارية التعليم. وعملت وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان على تشكيل لجان فنية وتنفيذية للاستعداد لبدء العام الدراسي 2020/ 2021 في ضوء مستجدات فيروس كورونا (كوفيد 19) يكون من ضمن اختصاصاتها ومهامها تطوير بدائل لتشغيل المدارس وفق المستجدات المرتبطة بالجائحة وآلية توظيف وسائل التعلم عن بعد في المدارس، ورغم الجهود التي بذلتها وزارة التربية والتعليم لتطوير التعليم الإلكتروني، إلّا أنَّ مشكلة ضعف شبكة الإنترنت حالت دون تفعيل التعليم الإلكتروني بالشكل المطلوب في بعض الأحيان وفي بعض المدارس، لذا قامت الوزارة بتقليل أثر التحديات الناتجة من التقنيات التكنولوجية، ومشكلات ضعف الشبكة من خلال الشراكة والتعاون مع شركات الاتصال لتقوية الشبكة في هذه المدارس، وتم بالفعل العمل على ذلك وتفعيل منصات التعليم عن بعد مثل منصة (منظرة) ومنصة (جوجل كلاس روم) وغيرها من المنصات والمواقع الإلكترونية.

وأشار تقرير التعليم عن بعد الصادر من وزارة التربية والتعليم 2020/ 2021 إلى أن عدد المستخدمين النشطين لمنصة منظرة بلغ ما يقارب 276305 طلاب وطالبات، بينما بلغ عدد المستخدمين النشطين في منصة جوجل كلاس روم ما يقارب 410000 طالب وطالبة. ونحاول في هذه السطور أن نعرف ماهية التعليم الإلكتروني وأهميته للمتلقي وصانع القرار؛ كون هذا النمط من التعليم أصبح أمرًا حتميًا ومتطلبًا ضروريًا من متطلبات عصر المعرفة والتطور، وسيُسهم بلا شك في توفير الكثير من الجهود إذا ما تمَّ تقنينه وتفعيله بكفاءة وجودة عالية، ولا يعني هذا كون التعليم الإلكتروني بات ضرورة عصرية أنه أفضل وأكثر نجاحًا من التعليم التقليدي، ولسنا بصدد المقارنة أو المفاضلة، وإنما لتوضيح المزيد عن مفاهيم وأهمية التعليم الإلكتروني كنظام تعليمي موازٍ للنظام التعليمي التقليدي. ويعرف التعليم الإلكتروني على أنه تقديم محتوى تعليمي إلكتروني إلى المتعلم عبر الوسائط المعتمدة على الحاسب الآلي وشبكاته وبرامجه من صوت وصورة ورسومات وأقراص مدمجة ومكتبات إلكترونية وبرمجيات تعليمية، وهو تحول جذري من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بُعد المبني على استخدام الحاسوب، ويعتمد على استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم في أقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة سواء كان عن بعد أو في الفصل الدراسي.

والتعليم الإلكتروني أنواع متعددة؛ أكثرها شيوعًا هي: التعليم الإلكتروني المساند؛ حيث يستخدم هذا النوع لمساندة العملية التعليمية التقليدية ودعمها ويكون وجهًا لوجه تستخدم فيه التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات كاستخدام الحاسوب وشاشات العرض وغيرها شرط أن تكون بشكل حضوري وهذا النوع متوافر في مدارسنا من خلال استخدام بعض مرافق المدرسة المتوفر فيها أجهزة إلكترونية مثل مراكز مصادر التعلم والمختبرات وقاعات السبورات التفاعلية. والتعليم الإلكتروني المتزامن وهو التعليم الذي يجتمع فيه المعلم مع المتعلم في آن واحد أمام الشاشات الإلكترونية ليتم بينهم اتصال متزامن سواء كان بالنص، أو الصوت والفيديو، أو حوار الإنترنت الجماعي والحوار المتعدد الأطراف.

والتعليم الإلكتروني غير المتزامن وهو الذي يكون فيه المعلم والمتعلم على اتصال غير مباشر؛ حيث يمكن للمعلم وضع خطة تدريس وتقويم على الموقع التعليمي، ثم يدخل الطالب للموقع دون تحديد توقيت معين ويتبع إرشادات المعلم في إتمام التعلم دون أن يكون هناك اتصال متزامن مع المعلم.

والتعليم المدمج وهو مزيج بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني ويشتمل على مجموعة من الوسائط التي يتم تصميمها لتكمل بعضها البعض.. والتعليم عن بعد ويعرف بأنَّه العملية التعليمية التي تتم بين الطالب والمعلم بوجود مسافة مكانية وزمانية بينهما وباستعمال وسائط إلكترونية لتلقي التعلم.

واستخدام التعليم الإلكتروني في العملية التعليمية بطريقة فعالة قد يحقق عائدًا كبيرًا ويوفر كثيرًا من الجهد وأيضا قد يساعد على حل الكثير من المشكلات التعليمية، حيث أثبتت الأبحاث عظم الإمكانات التي يوفرها التعليم الإلكتروني في عملية التعليم والتعلم وأنها تساهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف التعليمية المختلفة. وأشارت بعض الدراسات التي تناولت أهمية التعليم الإلكتروني إلى أن أبرز إيجابيات التعليم الإلكتروني أنه يعمل على تكوين اتجاهات إيجابية نحو التعليم، ويُساعد على الارتقاء بالمستوى التحصيلي للطلاب؛ ويُنمي مهارة حل المشكلات لديهم، ويُساعد الطلاب على التعلم الذاتي، ويُحفزهم على التفكير الإبداعي، ويُساعد على إثراء مواضيع المنهج الدراسي، ويختزل الوقت والجهد في التدريس ويزيد من فعاليته. وتوصلت بعض الدراسات التي تناولت اتجاهات الهيئة التدريسية والطلبة نحو التعليم الإلكتروني إلى وجود اتجاهات إيجابية لدى كل من الهيئة التدريسية والطلاب نحو إدراكهم لأهمية تطبيق أسلوب التعليم الإلكتروني كأداة لتطوير التعليم.

ونظرًا لزيادة أعداد المتعلمين وكثافة الطلبة في الفصول الدراسية بشكل لا تستطيع المدارس من استيعاب هذه الأعداد، يمكن أن يساهم هذا النوع من التعليم في حل إشكالية الكثافة الطلابية في المدارس كبيرة الكثافة وخاصة في المستويات المتقدمة (ما بعد الأساسي).

أما المستويات الدنيا والمراحل السنية الصغيرة فإن هذا النوع من التعليم قد لا يناسبها تمامًا نظرًا لحساسية هذه المرحلة وحاجة الطالب إلى الالتقاء بالمُعلم وجهًا لوجه وزملاء الصف لاكتساب بعض المعارف والمهارات والسلوكيات الضرورية التي قد لا تتوفر في التعليم الإلكتروني. ونظرًا لاعتبار هذا التعليم رافدًا للتعليم المعتاد فيمكن دمجه من خلال تفعيل التعليم الإلكتروني غير المتزامن بتكليف المعلمين للطلبة ببعض الأنشطة والواجبات في بعض المواد وخاصة المواد غير الأساسية كمرحلة مبدئية لتشجيع الطلبة على استخدام الوسائط الإلكترونية المتعددة وتدريبهم عليها ونشر ثقافة التعليم الإلكتروني في المجتمع المدرسي والمحل، ونظرًا لارتباط بعض الطلبة من فئة الكبار بوظائف وأعمال لا تمكنهم من الحضور المباشر لصفوف الدراسة وخاصة طلبة ما بعد الأساسي وطلبة الكليات والجامعات وبرامج محو الأمية وأبناء المناطق البعيدة عن الخدمات، وطلبة الصعوبات الخاصة، والمنقطعين عن المدارس، وكذلك ربات المنازل.. فإن التعليم عن بعد ربما يكون مناسبًا وحلًا بديلًا لعلاج مثل هذه الإشكاليات في المنظومة التعليمية..

ونظرًا لأهمية التعليم الإلكتروني وفوائده المتعددة في العصر الحالي إلا أنه قد يواجه بعض التحديات والمعوقات المادية والبشرية مثل عدم انتشار أجهزة الحاسب الآلي وارتفاع أسعارها ومحدودية تغطية الإنترنت وضعف الشبكة في كثير من المناطق، وعدم قناعة البعض من متخذي القرار بهذا النوع من التعليم، وقلة خبرة وكفاءة بعض المعلمين غير المتخصصين بالتقنية في تفعيل هذا النوع من التعليم وغيرها، وبالرغم من الصعوبات والتحديات التي ربما تعيق تنفيذ التعليم الإلكتروني في الوقت الحالي، إلا أنه من الممكن إيجاد بعض الحلول والخطوات التي ربما تسرع من الاستفادة منه في القريب العاجل ومنها توسيع نطاق الإنترنت وتعميمها على جميع المناطق وخاصةً المناطق البعيدة؛ نظرًا لحاجتها الشديدة لهذه الشبكة بسبب قلة الموارد والإمكانات التعليمية فيها مقارنة بالمدن، وتوعية المجتمع المحلي بأهمية هذا التعليم وأنه ليس بديلا للتدريس المعتاد بقدر ما هو داعم ورافد له، وتوعية صانعي القرار بأهمية الاستفادة من هذا التعليم في توفير الوقت والجهد والكلفة.

لذا نرى من الضروري في حالة تبني التعليم الإلكتروني العمل على تقنين هذا النمط التعليمي بصورة واضحة من خلال لوائح وأدلة تنظيمية تحدد آلية تطبيقه في المدارس بشكل كفؤ وفعال، وعمل شراكة وتعاون مع القطاعات المسؤولة عن وسائل وتقنيات الاتصال في الدولة بغرض تحسين جودة خدماتها في مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات التعليم العالي، وتدريب وتأهيل الهيئات الإدارية والتدريسية على أعلى مستوى للتعامل مع المستجدات الحديثة ومواكبة عالم التقنية والاتصالات على الدوام.

تعليق عبر الفيس بوك