"خطبة الجمعة" وخطاب العصر

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

قبل يومين استمعتُ إلى أغرب خطبة جمعة يمكن سماعها، خطبة تتحدث عن "الخيل والحمير والبغال لتركبوها"، وكأنَّ من كتبها أحد الموظفين، أو أحد الوُعّاظ التقليديين، حتى شعرتُ أنني في الصف الأول الابتدائي أستمعُ إلى معلم التربية الإسلامية، وهو يشرح الآية الكريمة، ويحاول تطبيقها على واقع الحال في العصر الحالي، ولا أدري إن كانت الخطبة "الرسمية" تلك قد تمَّ تحويرها من قبل الخطيب، أو أنها جاءت في كتيب الخطب المُعد سلفًا من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

أنا هنا لا أختلفُ مع فحوى الآية، وتفسيرها، ولكن أن تأتي الخطبة لتسقطها على واقع الحال، وتخاطب الناس وكأنهم ما زالوا يستخدمون الحمير للتنقل والركوب، فهذا ما لم أستطع فهمه أو استيعابه أو هضمه.

فلكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث، فالخطبة عن الأنعام والبهائم، كان يمكن أن يكون لها وقعها لو أنها جاءت لتذكّر بالرفق بالحيوان، بشكل عام، أو أنها جاءت لكي تركّز على ضرورة تغليب الضمير الإنساني، أما أن تأتي الخطبة لتتحدث عن أنَّ العالم ما زال يركب البغال، وينقل بضائعه عليها، فلا أرى له وجهًا على واقع الحياة الحديثة التي نعيشها في عُمان، ولا علاقة لها بواقع الحال الذي نحياه. ولعل الفقرة الوحيدة التي يمكن أن تفيد المجتمع لدينا- في تلك الخطبة- هي نقطة ترك "الحيوانات السائبة" في الطرقات- عمدًا- لتسبب الحوادث، وهو أمر مرَّ عليه الخطيب عرضًا في الجزء الثاني من الخطبة دون توقف أو تركيز على مثل هذا الواقع، فجاءت الخطبة خالية من الروح، وبعيدة عن الواقع.

لعل الحديث عن "خطبة الجمعة" بشكل عام يحتاج إلى مراجعة، وإعادة نظر من قبل الوزارة الموقرة؛ فالأحوال تتغير، والأحداث تتبدل، ولغة الخطاب لم تعد هي التي يمكن أن يخاطب بها الناس قبل مئات السنين، على الرغم من أنه يمكن تناول كل حدث- دون استثناء- بقليل من الانفتاح، ومن خلال كثير من الزوايا والرؤى. أما أن تخاطب الضمير الجمعي بجمود، وبعيدًا عن لغة العصر، فذلك أمر غير ملائم لتحولات وتغيرات المكان والزمان. فالمخاطَبون ليسوا سواسية في العلم والفهم والإدراك، وقضايا العصر التي يجب التوقف عندها، وتناولها كثيرة، ومتشعبة، وأشدها إلحاحًا في هذا الوقت هو: خطر تغييب الشباب، وتغيير المفاهيم الأخلاقية التي لا يخفى على أحد، وضرورة التمسك بالعادات والمفاهيم الحسنة، وغيرها الكثير من القضايا الحساسة والمهمة التي هي لبّ المجتمع، ومصدر الخطر عليه.

لا نُنكر أن خطبة الجمعة الوزارية الموحدة، جنّبت البلاد الكثير من الأطروحات والأفكار السقيمة، ووحدت الخطاب الديني المتوازن، والبعيد عن الاختلاف المذهبي، والعقائدي، غير أن ذلك لا يعني أن لا تتجاوز هذه النقاط، وتصل إلى نقاط أكثر حساسية، وأكثر تعقيدًا، برؤية إسلامية غير قابلة للجدل، وهذا يحتاج إلى خطاب ديني يتوافق ولغة العصر، ويتخذ من القرآن، والحديث، والسيرة النبوية، والقصص الجاذبة مساحة للتناول، وشد انتباه الشباب بالذات الذين يحضرون صلوات الجمعة، لكي يخرجوا بعلمٍ يُفيدهم، أو موعظة ينقلونها لأترابهم، أو حكاية يتناولونها في مدارسهم، أو لفتة تربوية تلفت انتباههم.. أما أن تظل الخطبة مجرد وعظ وإرشاد وسرد نثري خالية من كل عناصر الدهشة، والإشارات التي يمكن أن تجذب المتلقي، وبعيدة عن روح العصر فذلك أمر يحتاج إلى إعادة نظر.