الدخل المحدود.. والتعريف المفقود

 

بدر بن خميس الظفري

waladjameel@

 

نشرت وكالة الأنباء العُمانية في 29 من أغسطس الماضي، خبرًا جاء فيه أن وزارة المالية اعتمدت مبالغ مالية للعمل على توفير المستلزمات المدرسية مع بداية العام الدراسي، إضافةً إلى التغذية اليومية للطلبة من فئتي أُسر الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، وذلك في إطار اهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بهاتين الفئتين.

ثم كشفت وزارة التنمية الاجتماعية لاحقًا أن مجموع المبالغ المعتمدة هو 4 ملايين و73 ألفا و70 ريالًا عمانيًا، على أن يُصرف مبلغ 25 ريالًا عمانيًا للطالب الواحد لشراء المستلزمات المدرسية مرة واحدة في العام الدارسي، ويُمنح كل طالب في كل يوم دراسي قسيمة شراء واحدة بقيمة 500 بيسة للتغذية اليومية.

ومنذ أن انتشرت تلك الأخبار، دار نقاش حول تعريف ذوي الدخل المحدود، ومن هم المستحقون لهذه المبالغ؟ وكم يبلغ السقف الأعلى للراتب أو الدخل الذي يُحدد المستحقين؟ وهل الدخل المحدد يشمل مداخيل أفراد الأسرة جميعها أم ولي أمرها فقط؟ وهل يؤخذ بالحسبان عدد أولاد وليّ الأمر الواحد في المدارس؟ حتى صدر خطاب رسمي من وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم يعرّف أصحاب الدخل المحدود على أنهم من الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري 400 ريال عماني، وأُرفقت مع الخطاب استمارةٌ فيها 10 فئات مستحقة للمساعدات الماليّة، مطالبًا كلّ فئة بمستند واحد فقط يستخرجه من الجهات المعنيّة، يوضح أنّ دخله الشهريّ لا يتجاوز 400 ريال، ولم يحدد الخطاب أي معايير أخرى غير الدخل الشهري لتعريف أصحاب الدخل المحدود.

إنّ جلالة السلطان المُعظم عندما أمر بتلك الأوامر، كان الهدف مساعدة المحتاجين الحقيقيين، وقد أوعز جلالته للمسؤولين ببذل أقصى جهد ممكن لإيصال تلك المبالغ للمُستحقين بالفعل، وليس بتنفيذ الأوامر بأيّ طريقة كانت، ولكنّ اللجان التي شُكلت، والنقاشات الكثيرة التي جرت، قد خرجت بأبسط الإجراءات وأقلها كفاءة، وهو حساب معدل الدخل الشهري، دون مراعاة لأعداد الأولاد في كلّ أسرة، فهناك من دخله الشهري 400 ريال لكنْ لديه طفل واحد في المدرسة، وهناك من راتبه الشهري 410 ريالات ولديه 5 أولاد في المدرسة، فقل لي أيُّها المسؤول بالله عليك: أيهما أحقّ بتلك المساعدات، صاحب المثال الأول أم الثاني؟!

إضافة إلى ذلك، ثمّة إشكاليات أخرى تتمثلُ في القروض البنكيّة التي تُثقل كاهل وليّ الأمر، والتي لم تُؤخذ في الحسبان عند حساب الدخل الشهريّ، فمن الناس دخله الشهري 500 ريال عماني، لكنّ استقطاع قسط القرض البنكي الذي أخذه لبناء منزل يأوي فيه أسرته أو لشراء سيارة تعينه على قضاء حوائجه ومن يُعيلهم، لا يُبقي له من راتبه الشهري سوى 200 ريال عماني أو أقلّ. ومن جهة أخرى، بعض الأسر لديهم مداخيل أخرى من الأعمال الحرة، قد يفوق المسجل في الوثيقة المطلوبة للإثبات بأضعاف مُضاعفة، ولكنّ اعتماد المسؤولين على وثيقة الراتب الشهري فقط يُعطي غير المستحقين جزءًا من هذه المبالغ، وهذا منافٍ للعدالة التي يهدف إليها جلالة السلطان من خلال تخصيصه هذه المبالغ، فهي تذهب إلى غير موضعها الذي خصصت له!

والعجب كلّ العجب أنّنا بالرغم من وجود فئة الدخل المحدود بيننا، وبالرغم من أنّ كل مؤسسة تقريبًا لديها برنامج أو تسهيلات خاصّة لهذه الفئة، إلّا أنّه لا يوجد- حتى اللحظة- تعريف عام ومُحدد لهذه الفئة، بحيث يكون مرجعًا موحّدًا لجميع المؤسسات، العامة والخاصّة، في حالة رغبتها تخصيص مبالغ معينة لها أو توزيع مساعدات عينيّة أو تخصيص برامج دراسيّة أو مساعدات علاجيّة طبيّة أو غيرها. وبدلًا من ذلك، يقوم وليّ الأمر في كلّ مرة يرغب فيها في الحصول على هذه التسهيلات باللجوء إلى شيخ المنطقة للحصول على شهادة منه تثبتُ أنه من ذوي الدخل المحدود، ثم يذهب للوالي للتصديق على هذه الشهادة، وهكذا دواليك يقوم وليّ الأمر بهذه الإجراءات الروتينية المتكررة، مُريقًا ماء وجهه، بينما كان بالإمكان حفظ كرامته بوضع سجل موحد وبأنظمة معينة ومحددة تحدد من ينتمي إلى هذه الفئة ومن لا ينتمي إليها، تحدّثُ معلوماتها كل فترة مُعيّنة، كما هو الحال مع فئة الضمان الاجتماعي التي لها سجل خاص منظم ومعروف، ويخضع لمعايير معينة.

هنا أمامي نموذج أقرب للعدالة من نظام وثيقة المعدل الشّهري المعتمد لصرف المبالغ التي أمر بها جلالة السلطان، وهو نظام الدعم الوطني للكهرباء والمياه، وهو- وإن كان فيه بعض المثالب والثغرات- إلّا أنه أقرب للعدالة، ويراعي عدد أفراد الأسرة بالنسبة للدخل الشهري الكلي للأسرة، ومن هنا نناشد من كان مسؤولا عن صرف هذه المبالغ أن يراجعوا النظام الذي على أساسه تُمنح هذه المساعدات. فعلى سبيل المثال هناك ولي أمر يأتي إلى المدرسة ويلح إلحاحًا شديدًا على الحصول على هذه المساعدات للحاجة الشديدة إليها؛ لأن لديه 7 أولاد، وراتبه الشهري 417 ريالًا عمانيًا، وقد خرج من المدرسة والدموع تخرج أو تكاد أن تخرج من عينيه عندما رُفض استقبال طلبه.

اتقوا الله في الضعفاء والمُحتاجين، الذين أثقلت كاهلهم الضرائب والأسعار المرتفعة، ففي النهاية قد يكونون هم السبب في النعم التي ينعَمُ بها الأثرياء وأصحاب الأموال، فقد روى البخاريّ من طريق مصعب بن سعد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "هل تُنصرون أو ترْزَقون إلا بضعفائكم".

تعليق عبر الفيس بوك