للجادين فقط.. قصة ملهمة من وادي الحاجر

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

في محراب القرآن الكريم وحضرته الشريفة وأهله المكرّمين بكرامة القرآن، ينبغي لنا أنْ نترك العنان للقلم ليخطّ ما يُبْهج النظر، ويُشنّف الأسماع ويُطرب الآذان عند قراءته، ولكن أنّى له أنْ يخط وصاحبه أبعد ما يكون عن بركات القرآن وأنواره البهيِّة!

ومع ذلك التقصير الشديد المؤسف مني؛ ولكني أُحب الصالحين، وأرجو أن أكون صادقًا في محبتهم لأقتفي أثرهم وأنحو نحوهم وأسير سيرتهم؛ ومن أجل ذلك كله أو بعضه فإننا بحاجة إلى قصص مُلهمة تُشعل فتيل همّتنا الخامدة وعزيمتنا المنطفئة لنعود إلى أحضان القرآن نرتع مما يفيض به علينا من بين جنبات آياته ونعِبّ من معينه الزلال حفظا وتلاوة واستماعا وتدبرا وبحثا في خزائنه، وتنقيبا في رياضه واستشفاء لما في الصدور، وطرد الضيق والكدر وتبديد سحابة الهم والحزن التي كانت تُخيّم على أُفقنا فلا نبصر سوى ظلمات هذه الدنيا بعضها فوق بعض، إذا أخرج أحدنا يده قُطعت، ولا نشم غير نتانة الروائح المنبعثة ممن تشبثوا بالتراب.

عزمت على كتابة هذه السطور منذ اليوم الأول للتكريم، ولكن المشاغل أشغلتني وأقعدت بهمتي عن المضي قدما في كتابتها، ومضت الأيام، وها نحن نوفي بذلك العزم الذي عزمناه وذلك العهد الذي قطعناه وأخذناه على قلمنا بأن يحب الخير وينشر الخير للغير لا غير.

وبالأمس القريب منِّا والبعيد تمَّ بجمعية المرأة العمانية بولاية الرستاق تكريم إحدى النساء الفاضلات لحفظها كتاب الله، وكان ذلك في حفل بهي يليق بأمثالها. وهي ممن فقدت بصرها وعوضها الله ببصيرة نافذة تبصر بها حقيقة هذه الحياة وتتغلب بها على لأوائها؛ ذلك لأن البصير هو من انكشفت له حقيقة هذه الدنيا، واتخذ صالح الأعمال فيها مطية وسُفنا، وليس البصير من أبصر الدنيا وزخرفها، وسلبت لبه وجعلته عبدا لها يعبدها ليل نهار.

ومازلت أتعجب ولا يزال عجبي يزداد كل يوم من القصص الملهمة والتي تستثير الهمم النائمة وتستيقظ عند سماعها العزائم الخائرة تلك القصص القادمة من قُرى وادي الحاجر بولاية الرستاق.

ومُلهمتنا هذه المرة الفاضلة غنية بنت درويش بن مسعود الفجرانية من قرية ديسلي، الجميلة بدماثة أخلاق أهلها وكرم خصالهم وتواضعهم الذي أخجل المتكبرين والمغرورين، وقد أحاطت بها الجبال من كل حدب وصوب مشكلة لها درع حماية وجمال في ذات الوقت.

وقد بلغ بملهمتنا أنها لا تدّخر وسعًا في سبيل حفظ القرآن الكريم بل ولا تسمع عن وسيلة من الوسائل تساعدها على حفظه؛ إلا وسارعت في اقتنائها مهما كلفها جُهدا ومالا؛ فكانت ولا زالت تجمع الأشرطة السمعية للقرّاء، وتستدعي بعض نساء القرية لبيتها لتسميعها وتكرار ما حفظته، وكان الماشي بالقرب من منزلها لا يسمع إلا أزيز تلاوة القرآن الكريم منها أو من الأشرطة السمعية؛ فكانت جُل وقتها تأنس بالقرآن تلاوة وحفظا، فما أعظم هذه الحياة وما أسعد صاحبها.  

الخلاصة.. ما دخل القرآن قلب إنسان إلا عَمَرَهُ سعادة واطمئنانًا وبهجة وسرورًا وانشراحًا ورضا بقضاء الله وقدره.