شهداء التعليم

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

لا نكاد نمسح دموعنا ونجفف مآقينا ونُحاول رسم ابتسامة ولو مصطنعة بعد فراق طالب أو طالبة، إلّا ونُفجع بوفاة أخرى، تُعيد لنا المأساة وتُدمي قلوبنا وتفجع أرواحنا المُتعبة.. شهيدٌ تلو شهيدٍ، ووفاةٌ تلو أخرى لأرواح بريئة لا ذنب لها إلا أنها طلبت العلم والتعلم، رحم الله حور السديّة آخر ضحايا الإهمال وعدم المسؤولية وعدم المُحاسبة.

في الدول المُتقدمة والتي لها اعتبارات عالية لقيمة الإنسان تسقط وراء مثل هذه المواقف رؤوس كبيرة، ويعمل لها لجان تحقيق على مستوى عالٍ، ويُحاسب كل من أهمل وكل من لم يؤدِ دوره على الوجه الصحيح والمتقن، ومعنا رحم الله المتوفى وصبر أهله، ويرسل له تعزية في حسابات الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أحسن الأحوال تنشر التعزية في الصحف اليومية مختومة بعبارة "قضاء الله وقدره".

وكل ما يجري في حياتنا هو بقضاء الله وقدره ولا راد لأمر الله ولا مفر من قدره، ومع إيماننا التام بذلك إلا أنه سبحانه وتعالى وهو القادر والعليم والخبير لم يجعل هذا الكون يمضي بعشوائية وإنما بنظام مُحكم، وعلمنا بأن نسير على النظام فنتعلم بنظام وننام ونقوم ونعمل ونجتهد ونمارس أعمالنا بنظام، وبصَّرنا بأننا إذا تخلينا عن النظام في كل أمور حياتنا فسدت، وإذا مارسنا أعمالنا في هذه العالم الفسيح بدون نظام تراجعنا ومرضنا وانهزمنا، فقضاء الله وقدره لا يعني التواكل وإنما يعني الأخذ بالأسباب والعمل والجد والمُثابرة والجهد وإذا وقع أمر طارئ وخارج عن الإرادة بعد الأخذ بالأسباب فهنا يكون الأمر مسلماً لله ومقدرته، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: بل أعقلها وتوكل"؛ فالتوكل على الله والاعتماد عليه أساس تنفيذ ونجاح كل أعمالنا المعتادة في الحياة، والأخذ بالأسباب من تمام التوكل على الله ولا ينافيه.

ومن الأخذ بالأسباب في أمور نقل الطلبة في حافلات المدارس وضع قانون صارم يُحاسب فيه كل مقصر وكل مُهمل وكل مشارك في زهق أرواح الأطفال الأبرياء، فطفل ينسى في الحافلة ونقول (قضاء الله وقدره) وطفل يرمى في الشارع ليقطع بنفسه الشوارع ويعرض نفسه للخطر وبعدها نرمي المسؤولية بين السائق وإدارة المدرسة والمديرية والوزارة ويتفق الجميع بأنَّ الأمر لا يتعدى أن يكون (قضاء الله وقدره)، وطفل آخر يترك يمشي إلى البيت ولمسافة تصل بعض الأحيان إلى كيلومتر بحجة (ما له نقل) فيتعرض للشمس الحارة ولمخاطر الطريق ولشياطين الإنس وغير ذلك من المخاطر. وهكذا نتفنن في الإتكالية والإهمال ورمي المسؤولية على فلان وعلان ويستمر المسلسل. سائق الحافلة يبكي ومتذمر وساخط؛ حيث يطلب منه نقل أعداد كبيرة في وقت ضيق، والوزارة لا توفر عقودًا لحافلات أخرى وهذا أحد الأمور المنافية للأخذ بالأسباب. ومن الأخذ بالأسباب اختيار حافلات نقل الطلاب بعناية تامة وتوفير كل سبل السلامة من كاميرات المراقبة إلى مشرف أو مشرفة خاصة لأطفال الحلقة الأولى، وتوعية سائقي الحافلات المدرسية بدورهم الكبير في حفظ أرواح الطلبة وتبصير إدارات المدارس وأولياء الأمور بوضع الطالب داخل الحافلة وغيرها من الأمور التي تحفظ أرواح طلبة العلم.

رسالتنا لوزارة التربية والتعليم بأن توفر للمدارس عقودًا جديدة تفي باحتياجات المدارس، ورسالتنا لسائق الحافلة بأن الطلبة أمانة في رقبتك فأحسن أداء الأمانة، وفي الأخير لا ننتظر سماع خبر محزن آخر خلال العام الدراسي الجديد الذي بدأ بشهيدة للتعليم، وندعو الله أن يغفر ويرحم الطالبة (حور السدية) ويصبِّر أهلها على ما أصابهم، ونوجه الجهات المعنية لعمل اللازم والمحاسبة حتى لا تتكرر مثل هذه الأخبار، ودمتم ودامت عمان بخير.