الحسن بن علي

 

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

شخصية رسالية اهتم بذكرها التاريخ الإسلامي، وكان مثالًا لهيبة الملوك العظماء، وصفات الأنبياء الكرماء، ووقار الأوصياء الأتقياء، إنِّه الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، وُلد في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، وتوفي في اليوم السابع من شهر صفر، ودُفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة، وهو أول سبط للنبي الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، لقبه النبي الأكرم- وأخاه الإمام الحسين- بسيدي شباب أهل الجنة فقال في حقهما: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

نشأ الإمام الحسن بن علي، نشأة إيمانية عظيمة ومباركة، فيها الكثير من الحب والمودة والعطف والحنان والرعاية الشديدة من قبل جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ناهيك عن الرعاية والاهتمام البالغ الذي حصل عليه من أبيه أمير المؤمنين وسيد العارفين وإمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب، ومن أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، فنشأ عظيمًا بين العظماء من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي.

اجتمعت في الإمام الحسن بن عليّ الكثير من أوجه العظمة والكمال والرفعة، فارتقى بشخصيته المباركة إلى المعالي والكمالات، بحيث لا يرقى إليه ملوك الأرض، فورث من جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم المكارم والقيم والآداب الأخلاقية والعلمية، فكان شبيهًا بجده المصطفى خُلقًا وخلقًا ومنطقًا، وكانت أمه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء تلاعبه في طفولته وتقول: "بأَبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي".

كان للإمام الحسن في مدينة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الأثر العلمي البالغ والكبير والمؤثر، فقد جعل من مدينة جده المصطفى جامعة علمية عريقة في مختلف العلوم كتفسير القرآن وعلوم العقيدة وعلم الأخلاق وعلم الفقه، وذكرت المصادر التاريخية أنَّ كبار العلماء في تلك الحقبة الزمنية تتلمذوا على يديه وتخرجوا في جامعته المباركة وأصبح لهم الدور الفاعل والكبير في خدمة الإسلام الحنيف وهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن أولئك الأعلام الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من علومه المختلفة: المسيب بن نجبة، والأصبغ بن نباتة، والشعبي، والحسن المثنى، وسويد بن غفلة.

قضى الإمام الحسن المجتبى حياته كلها بتوعية المجتمع وأفراده، حتى إنِّه سُئل ذات يوم عن السياسة فأجاب قائلا: "هي أن ترعى حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات، فأما حقوق الله فأداء ما طلب واجتناب ما نهى، وأما حقوق الأحياء فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة امتك، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوي، أما حقوق الأموات فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم فإن لهم ربًا يحاسبهم".

وكان من صفاته الطيبة والمباركة- والتي عُرف بها- الكرم والجود والسخاء، فعرف بكريم أهل البيت، فقد كان همه الأول والأخير كسوة العريان، وإغاثة الملهوف، وإعانة الفقراء، والسؤال عن أحوال الناس بشتى ألوانهم وأطيافهم وأديانهم وقضاء حوائجهم، فقد روى الشبلنجي في "نور الأبصار" أنه قيل للإمام الحسن بن عليّ ذات يوم: لماذا لا نراك ترد سائلًا؟، فقال: "إني لله سائل وفيه راغب، وأنا استحي أَن أكون سائلًا وأَرد سائلًا، وإن الله عودني عادة أن يفيض نعمه عليَّ، وعودته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة".

اليوم.. ونحن أمام الكثير من التيارات الفكرية الضالة والمضلة بحاجة ماسة إلى قراءة حياة الصالحين الأبرار، ودراسة حياتهم ومواقفهم، واتخاذهم قدوة صالحة لأبناء وبنات الأمة الإسلامية، والاستفادة مما قدموه في خدمة المجتمع، وليس هناك أفضل وأجمل من الاقتداء بالنبي الأكرم وأهل بيته الكرام وصحبه الأجلاء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل أَهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى".