مؤكدين أهمية مواكبة التغيرات للانتقال إلى الطاقة المتجددة ومراجعة السياسات الاقتصادية الحالية

خبراء واقتصاديون يرسمون حلولا لازدهار اقتصادات دول الخليج في ظل الأزمات العالمية

◄ الشيبانية: يجب توطين الإنتاج والتصنيع وإيجاد مناخ محفز للتصدير

◄ العبيدلي: على الحكومات توفير البيانات لتحسين التنافسية

هيرتوج: اعتماد القطاع الخاص على العمالة الأجنبية يؤثر على النمو الاقتصادي

الرؤية- مريم البادية

ناقش المحور الثالث من محاور جلسات مؤتمر "التنويع الاقتصادي في دول الخليج.. الواقع والمأمول" دور السياسات العامة في تعزيز التنافسية واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، بمشاركة كل من: الدكتور ستيفن هيرتوج أستاذ مشارك في السياسة المقارنة بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتور عمر العبيدلي مدير الأبحاث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"، والدكتورة شمسة الشيبانية خبيرة اقتصادية بسلطنة عُمان، وأداره الدكتور فارس بريزات مدير الحلول الاستراتيجية بمؤسسة نانا البحثية.

وتحدث ستيفن هيرتوج عن الطفرة النفطية الجديدة والتغيرات الحالية وتوقعات التنويع المصاحبة، وتفاعل الإنفاق الحكومي لدول مجلس التعاون الخليجي مع ارتفاع أسعار النفط، موضحاً أنه من خلال الرسوم البيانية فإن متوسط الإنفاق الحكومي أقل بكثير عن أسعار النفط، حيث أنه حتى يوليو 2022 تشير البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن الإنفاق الحكومي كان أقل من 10% بينما أسعار النفط ارتفعت إلى 120 دولارا أمريكيا.

وأضاف ستيفن أن نشاط القطاع الخاص ما يزال يعتمد على الدعم الحكومي في جميع دول المجلس التعاون الخليجي بحسب البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ولاتزال نسبة الحكومة إلى إجمالي الاستهلاك مرتفعة، وأن مساهمة القطاع الخاص تنمو ولكن بصورة بطيئة، بالإضافة إلى أن العمل في القطاع الحكومي ما يزال الأكثر جاذبية مقارنة بالقطاع الخاص، وأن القطاع الخاص في دول الخليج ما يزال يعتمد على العمالة الأجنبية منخفضة المهارة وهذا بدوره يُؤثر على النمو ومواكبة التقدم التكنولوجي.

ومن جهتها قدمت الدكتورة شمسة الشيبانية ورقتها حول "التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي.. الفرص والتحديات" وتطرقت إلى أبرز التحديات التي تواجه التنويع الاقتصادي في هذه الدول، مثل ثقافة الرفاهية والحياة الرغدة لدى الخليجيين، وكذلك تقلب أسعار النفط والغاز والاعتماد المباشر أو غير المباشر على القطاع النفطي، وكذلك وجود فجوة بين مخرجات التعليم والمهارات المطلوبة في سوق العمل وزيادة أعداد الباحثين عن عمل وقلة الوظائف المعروضة، وضعف توفر البيانات عن مؤشرات التنويع الاقتصادي.

 واستعرضت الشيبانية أبرز الفرص لتحقيق التنويع الاقتصادي من بينها، ارتفاع العوائد النفطية في ضوء بقاء أسعار النفط في مستويات مرتفعة فوق الـ100 دولار أمريكي للبرميل الواحد لفترة غير قصيرة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق دول الخليج فوائض قياسية هذا العام تقدر بنحو 1.2 ترليون دولار أمريكي، وكذلك ضخامة الثروات السيادية الخليجية التي تقدر بنحو 3.3 تريليون دولار أمريكي، ووفرة الموارد البشرية الشابة حيث تقدر نسبة الشباب من إجمالي السكان في دول المجلس أعلى من 25%، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي والتنوع الجغرافي.

وتطرقت الشيبانية إلى  أبرز المبادرات من بينها: تأسيس وكالات لدعم عملية تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها مثل "الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية" و"هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عمان" وبنوك التنمية في قطر، كما أنشأت مناطق تجارة حرة ومناطق صناعية واقتصادية خاصة لتساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتدشين واحات ومراكز للابتكار.

وتحدثت الخبيرة الاقتصادية عن آفاق الاقتصاد الكلي لدول المجلس، حيث من المتوقع أن تتوسع اقتصادات دول المجلس بنسبة 6.21% في هذا العام، كما أنه من المتوقع أن يتفوق النمو الاقتصادي على جميع الأسواق الناشئة عدا بعض الأسواق في جنوب شرق آسيا، حيث من المتوقع نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 7.1% والإمارات بنسبة 6.7% والكويت بنسبة 6.3% مما يعكس انتعاشا في أسواقها المحلية بسبب الطلب على النفط وزيادة مستويات الاستثمار،  في حين ستشهد اقتصادات الدول الخليجية هذا العام فائضا مزدوجا باستثناء البحرين التي من المتوقع أن تعاني عجزا في الميزانية العامة بسبب ارتفاع الدين العام، ومن المتوقع أن يصل متوسط معدل التضخم هذا العام إلى 3.1% وهو الأعلى منذ عدة سنوات، حيث ستسجل الكويت تضخمًا أعلى بين أقرانها بنسبة 3.9% تليها دولة الإمارات ثم قطر.

واختتمت الشيبانية بعرض عدد من التوصيات منها، استثمار جزء من الفوائض المالية في خفض الدين العام من أجل تحسين التصنيف الائتماني للبلاد والقدرة على إعادة جدولة القروض المتبقية أو الحصول على التمويل المناسب بسعر فائدة أقل، وكذلك توطين الإنتاج والتصنيع وإيجاد مناخ محفز للتصدير وللريادة والابتكار واستخدام التكنولوجيا المتقدمة للانتقال إلى الطاقات البديلة بأسرع ما يمكن، كما يتعين على دول الخليج تدعيم تكتلاتها الاقتصادية بتلاحم أكبر لحماية مكتسباتها من التقلبات العالمية المتكررة.

وقدم عمر العبيدلي ورقة بعنوان "كيف يمكن لسياسات البيانات المفتوحة أن تحسن التنافسية في دول الخليج"، مستعرضا عددا من الطرق للوصول إلى ذلك منها، إشراك العلماء والخبراء في مساندة الدول للوصول إلى البيانات المفتوحة، في ظل وجود عجز في توفر البيانات المفتوحة.

ويوصي العبيدلي بأهمية توجيه الحكومات إلى توفير البيانات والاستجابة لطلبات الباحثين حول هذه البيانات، ويجب تنظيم منتديات بحثية رفيعة المستوى في هذا الشأن.

من جهته؛ استعرض الدكتور عاطف الشبراوي ورقة بعنوان "دور السياسات العامة في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال المستدامة" مناقشا كيف تخلق ريادة الأعمال الثروة وكيف تساهم في التنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى كيفية دعم ريادة الأعمال الصحيحة، وما هو دور الحكومات في دعم ريادة الأعمال والابتكار.

أما المحور الأخير فقد ناقش "مستقبل التنويع الاقتصادي في دول الخليج" بمشاركة كل من: الدكتور عباس المجرن اقتصادي أول وأستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت والدكتور نيكولاي كوزانوف وسعادة الدكتور عبدالعزيز الحر مدير المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية القطرية، وأداره الدكتور عبدالله باعبود أستاذ زائر بجامعة واسيدا كلية الدراسات الليبرالية الدولية باليابان.

واستهل الدكتور عباس المجرن أوراق هذا المحور للحديث عن "الاستدامة المالية لدول مجلس التعاون في ظل التحولات الهيكلية المتسارعة في صناعة الطاقة العالمية". وقال إن هذا المؤتمر جاء بعد مرور عدد من التحولات العالمية منها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، كما أن منطقة الخليج تلعب دورا حيويا في نظام الطاقة العالمي، حيث لديها احتياطيات وفيرة من الوقود الأحفوري وموقع الوسيط بين أوروبا وآسيا وهما المنطقتان الرئيسيتان لاستيراد النفط والغاز، مضيفا أن السياسات الصارمة لمكافحة تغير المناخ تؤدي إلى انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري ومع ذلك هناك معاهدات دولية تهدف للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وأضاف المجرن أن التوجه الحالي يسير نحو التحول الرقمي الكامل والتسوق الرقمي، حيث إن المستهلكون يتسوقون أكثر فأكثر من خلال هواتفهم المحمولة، كما أن هذا سيغير في جانبي العرض والطلب وسيؤدي إلى الحاجة إلى المستودعات وخدمات النقل والشحن التجاري والتأمين والتفريغ والخدمات اللوجستية العامة، وبالتالي ينخفض ​​الطلب على البنزين، بينما يزداد الطلب على وقود الطائرات والوقود الثقيل، وبالنسبة للنقل ، فإن الوقود الحيوي والمحركات الكهربائية آخذة في التوسع وكذلك توليد الطاقة والصناعة، وسيزيد الطلب على الغاز الطبيعي ومصادره غير التقليدية، كما أنه من المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز بنسبة 20% بحلول عام 2030، مقارنة بأقل من 9% على النفط.

وأكد المجرن أنه على الرغم من الانخفاض المطرد في كثافة الطاقة لكل وحدة إنتاج خلال العقود الخمسة الماضية وخاصة في الاقتصادات الغنية والذي تباطأ في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه على وشك تحقيق نمو غير مسبوق سبب التطور في تقنيات التحكم في استهلاك الطاقة.

إلى جانب ذلك؛ قال المجرن إن مصادر الطاقة المتجددة تفتقر إلى الاستقرار والاستمرارية، لذا فإن تطوير تقنية البطاريات وتوسيع قدرتها على تخزين الطاقة سيوفر حلا مناسبا لهذه المشكلة بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تنخفض تكلفة البطاريات بحوالي 50% مما سيؤدي إلى قفزة في حصة الطاقات المتجددة.

وقدم الدكتور نيكولاي كوزانوف ورقة حول "التكيف مع الحقائق الجديدة وخصوصا قطاع الغاز في دولة قطر والتنوع في عصر تحول الطاقة"، مشيرا إلى أن النطاق العالمي للتغيرات القادمة سيؤثر حتما على مصالح الدول المنتجة للموارد الهيدروكربونية، ووفقا للباحثين فإنه على المدى المتوسط والطويل سيتعن على منتجي النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي إعادة هيكلة اقتصاداتها ومراجعة السياسات الحالية من أجل الاستعداد لانخفاض الطلب على موارد النفط والغاز وانخفاض أسعارها وضمان بقاء صناعات النفط والغاز، بالإضافة إلى إعادة بناء أنظمة الطاقة الخاصة بهم، ومواكبة نمو المنافسة التقليدية وخصوصا الأسواق الآسيوية.

ثم انتقل كوزانوف للحديث عن مزايا دولة قطر كقوة منتجة للغاز الطبيعي من بينها التكلفة المنخفضة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال والتي يتم تعويضها من خلال الربح من إنتاج البتروكيماويات المصاحبة، وكذلك موقع قطر الجغرافي، بالإضافة إلى امتلاك الدولة أسطولا خاصا من ناقلات الغاز الطبيعي المسال.

ويختتم كوزانوف ورقته بالإشارة إلى أنه على الرغم من التحديات العالمية إلا أن دولة قطر ترى بأنه لا يزال لديها الوقت للتكيف مع تحولات الطاقة العالمية، لذلك تتبنى خطط تنمية الاقتصاد الأخضر، كما أنها ترى بأن مسار الهيمنة على أسواق النفط والغاز الرئيسية طويلة الأجل، لذلك تخطط إلى البقاء في اللعبة طالما أن إنتاج النفط والغاز قادر على تحقيق الدخل على الرغم من أن الأسواق سيكون لديها فائض في العرض والمنافسة المتزايدة.

وقدم سعادة الدكتور عبدالعزيز الحر ورقته حول "التنويع الاقتصادي.. الواقع والرؤى الوطنية الخليجية"، وقال فيها إن أغلب الرؤى المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على بناء اقتصاد متنوع يتناقص اعتماده على قطاع النفط والغاز، وأن هذا يتطلب التحول نحو الاقتصاد المعرفي الذي يتسم بكثافة الاعتماد على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وأنه بالرغم من قيام كافة دول مجلس التعاون بوضع التشريعات وبناء المؤسسات التي تعنى بالتحول نحو الاقتصاد المعرفي، غير أن حجم التقدم المحرز في هذا المجال لا يتناسب وحجم الإمكانات المتاحة، وهو ما يعكسه ترتيب الدول الخليجية في مؤشر الاقتصاد المرتكز على المعرفة.

واستعرض سعادته ترتيب دول المجلس في مؤشر الاقتصاد المبني على المعرفة، وأن كلا من الإمارات والبحرين وعُمان قد صنفت بمستوى جيد وفق مؤشر الاقتصاد المعرفي والذي تتراوح فيه قيمة الدليل ما بين (6-7)، وتتميز دول هذه المرتبة بمستوى مقبول في ميدان اقتصاد المعرفة مع البدء في التحول من مجتمع المعلومات نحو مجتمع المعرفة، بينما جاءت السعودية وقطر والكويت ضمن الدول ذات المستوى المتوسط والذي تتراوح فيه قيمة الدليل ما بين (5-6)، وتشمل الدول التي نجحت في توسيع اقتصاد المعلومات، وبدأت في إرساء اللبنات الأساسية لاقتصاد المعرفة مع توفر مقومات مجتمع المعرفة.

وتطرق سعادته إلى عدد من المداخل الرئيسية لتحقيق التنويع الاقتصادي منها زيادة تحسين البيئة التي تسمح بازدهار القطاع الخاص وتحسين التنافسية والانضباط، وكذلك تحفيز التوظيف في القطاع الخاص، وتحسين الحوكمة.

 

تعليق عبر الفيس بوك