هل سنشهد توافقًا انتخابيًا في صلالة؟

علي بن سالم كفيتان

ونحن على أعتاب انتخابات المجلس البلدي لابُد من التفكير في تطوير العملية الانتخابية بكل أشكالها؛ لتخرج كتجربة راقية، يسودها وفاق مجتمعي على أفضل الممثلين، ولن أبالغ إذا قلت إن تجربة ولاية صلالة جديرة بالاهتمام من عدة جوانب؛ أهمها الزخم غير المسبوق للناخبين وحرصهم على إيصال أصواتهم لصناديق الاقتراع رجالًا ونساءً ومن كافة الأعمار الذين يسمح لهم القانون بالإدلاء بأصواتهم، وهذا المؤشر مهم بلا شك لتقييم مدى اقتناع الناخب بالتجربة بغض النظر عن المؤثرات الأخرى.

هذا يعطي بعدًا آخر كذلك للذين يراقبون التجربة العُمانية من خارج السلطنة، وحكمهم على المسار الديمقراطي في البلاد، وهي بلا شك ظاهرة صحية، لكنها ولَّدت استقطابًا حادًا للمكونات الاجتماعية، وانعكس الأمر بشكل عميق على القِيَم التي حملها المجتمع في ظفار لحقبٍ طويلة من الزمن.. لهذا وجب علينا تفحص هذه التجربة بعين محايدة تهمها مصلحة الوطن واستمرار الوئام الاجتماعي والتكاتف الفريد الذي عرفت به هذه البقعة الطاهرة من عُمان الأم.

من الطبيعي إذا كانت هناك عملية انتخابية أن تتشكل كتل أو تجمعات انتخابية حتى في أفضل التجارب الديمقراطية في العالم، وهذا بدوره يقود لاستقطابات واسعة لجمهور الناخبين، لكن الفارق أن الكتل التي صار لها باع في هذا المجال تعتمد على البرامج الانتخابية للمرشحين، بينما ما زال ذلك غائبًا عن تجربتنا إلى حد كبير. وقد يُعزى الأمر لأسباب كثيرة؛ أهمها: مقدار الصلاحيات الممنوحة للمجالس المنتخبة، وعدم وجود الوعي الكافي في المجتمع، وتجذر الانتماء القبلي على حساب العمل الجماعي. وتجربة ولاية صلالة- التي نحن بصددها- بدأت مبكرًا مع انتخابات مجلس الشورى في الدورة الأولى، عندما مُنحت النُخب من الشيوخ والوجهاء والتجار حق التصويت، وما زلتُ استحضرُ هنا اجتماعًا عُقد في قاعة وزارة التراث والثقافة (سابقًا) بصلالة لتلك النخبة من وجهاء ظفار، وكيف كانت نقاشاتهم هادئة ومُتزنة، فرغم حضور المعيار القبلي بقوة، إلّا أن النضوج الفكري للحضور ومعرفتهم بما هو خير للولاية قادهم لوفاق تاريخي على مرشح لم يكن حاضرًا ذلك النهار، وفي غالب الظن لم يكن يعلم أن الجميع سماه مُرشحًا للولاية. لا شك أن هذا الموقف كان خالدًا، ويُحسب لتلك الوجاهات التي غيبها الزمن.. فهل وجاهات اليوم قادرة على معاودة اتخاذ القرار ذاته؟

عقب تلك المرحلة، توسعت دائرة الذين سُمح لهم بالانتخاب، ودخلت التجربة في منعطف استقطاب حاد للجانب القبلي، وغابت روح التوافق، واحتكم الجميع للصندوق المدفوع بالحشود لإثبات وجود الأحمال الاجتماعية ومدى سيطرتها لإيصال رسالة مُبطّنة للحكومة ترمي لآفاق أبعد من انتخابات الشورى، وربما الرغبة للدفع بشخصيات طامحة لتولي المناصب العامة من واقع الثقل الاجتماعي وقوة التأثير. واستمر هذا النهج لعدة دورات لم تجن من خلاله الولاية أية نتيجة تُذكر، سوى تعميق الاستقطاب وتصعيد النعرات القبلية وتعطيل الفرص التنموية، واصطبغ المجتمع بنكهة التكتلات الانتخابية، حتى في الأمور البسيطة التي تستوجب التوافق عليها.

لا يمكننا الحديث عن تجربة ولاية صلالة دون أن نعرِّج على نهج بعض التكتلات الإيجابية من حيث التمحيص في اختيار المرشحين، ولا شك أن المخرجات كانت جيدة، لكنها لم تنعتق تمامًا من الولاء للتكتل إلى ما هو أشمل. ولهذا يمكن اعتبار مثل هذه الاجتهادات خطوة على الطريق الصحيح من أجل البناء عليها، ولا شك أن التجمعات الرئيسية الأخرى بالولاية وحتى في ولايات أخرى، تأثرت بهذه التجربة، ولو اسميًا على أقل تقدير، ونجد في ذلك دفعًا نحو التكيف مع المتغيرات مع بقاء ثوابت ومرتكزات الكتل دون تغيير محوري يمكن الإشادة به.

إنِّ نضوج التجربة المجتمعية بعد خوض الولاية لتجربة انتخابية مريرة في آخر دورة صاحبها حشد غير مسبوق للناخبين وإخفاق نظام التصويت الإلكتروني في تسهيل العملية الانتخابية، يستوجب تقييم الوضع؛ بما يصب في مصلحة الولاية أولًا وأخيرًا، وإعادة الوئام والسلم الاجتماعيين.

ومن وجهة نظرنا- كمراقبين- نرى أن تتنادى الكتل الرئيسية في الولاية لتغليب المصلحة العامة، من خلال اختيار آلية مشتركة يتم التوافق عليها، بحيث يمكن الدفع بكتلتين في كل دورة تماشيًا مع نِصاب الولاية من حصص مجلس الشورى والمجلس البلدي، وبهذا يتم التقليل من حشد المجتمع، بينما تتفرغ اللجان لاختيار الأفضل والدفع به بشكل توافقي لهذه الاستحقاقات، بحيث يبدأ التطبيق من انتخابات المجالس البلدية التي باتت على الأبواب.. وحفظ الله بلادي.