المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وازدهار السياحة

 

مسلم سعيد مسلم مسن

قطاع السياحة بدأ يعمل بشكل جيد ويبدو أنَّ بلادنا الغالية "عُمان" بتنوع مكنوناتها ومزاياها الطبيعية واستدامة واستقرار أوضاعها الاقتصادية والجيوسياسية هي مصدر الجذب الأقوى في تقدَّم ذلك القطاع نحو آفاق أرحب بغض النظر عن إشكاليات إدارته أو طبيعة خدماته ومشروعاته أو وتيرة تدفق استثماراته المحلية والأجنبية؛ لأنه يبدو جليًا من التجربة أنَّ تلك المزايا تفرض أمرًا واقعًا بما تحويه من مؤشرات؛ ليصبح مسار النمو والتنمية والتنويع من خلال هذا القطاع مُتاحًا وممكنًا، وهذا ما نلحظه عبر التطور الواضح للوجهات السياحية وثيماتها الرئيسية والفرعية (خريف ظفار، موسم الصرب، مهرجان الجبل الأخضر السياحي، مهرجان الربع الخالي.. إلخ).

ويُعرِّج هذا المقال على جزئية تتكامل مع قطاع السياحة ألا وهي "بناء قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" لتعمل بشكل مرضٍ من الناحية الاقتصادية مع موجات ازدهار القطاع السياحي على المستوى الوطني. ولإرساء تداول مُفيد لتلك الجزئية تتبادر بعض التساؤلات من بينها: نوعية القدرات التي تحتاجها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالتزامن مع الازدهار السياحي المتوقع؟ دور الجهات الحكومية والخاصة في بناء تلك القدرات من خلال المستوى الاستراتيجي الكلي ( رؤية عمان 2040 + الاستراتيجية العمانية للتنمية السياحية) والمستوى القطاعي (برامج الخطة الخمسية العاشرة 2021- 2025)؟! مدى استفادة تلك المؤسسات من ثمار الازدهار السياحي؟! مدى توافر الجاهزية المستقبلية لهذا النوع من المؤسسات؟

وأعلنت هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن إجمالي عدد المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة حتى نهاية يوليو 2022؛ حيث بلغت 81 ألفاً و460 مؤسسة، نصيب حاملي بطاقة ريادة حوالي 43 ألف لنفس الفترة. البيانات التفصيلية القطاعية لتلك المؤسسات تشير (حسب التقرير السنوي لعام 2021) إلى أنَّ معظم التركز لأنشطة تلك المؤسسات في نشاط الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية بنسبة تبلغ حوالي 31% ونشاط التشييد بنسبة 22.6% والصناعات التحويلية بنسبة 21,5%، أي أنَّ هذه الثلاث أنشطة تستحوذ على حوالي 75% من الإجمالي، ماذا عن الأنشطة الخدمية التي لها علاقة مباشرة بقطاع السياحة؟ التقرير يوضح أن نسبة المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة في نشاط الإقامة والخدمات الغذائية تبلغ 3,8%، وما نسبته 0,44% لنشاط الفنون والترفيه والتسلية، كما أنَّ هناك أنشطة أخرى ذات علاقة وثيقة بقطاع السياحة مثل قطاع التخزين والنقل الذي يستحوذ على 3,25% من العدد الكلي.

ربما التوزيع السابق يتناسب كثيرا مع المساهمة الحالية لقطاع السياحة في الناتج المحلي ولكنه بلا شك مرشح للزيادة لصالح هذا القطاع مع تعزيز برامج التنمية السياحية عموما واستدامة الفعاليات والمهرجانات السياحية طيلة العام كما هو مخطط له ومتوقع. وعند الرجوع إلى الإستراتيجية العمانية للسياحة (2040) وما أشارت إليه من توجهات إستراتيجية نحو تلك المؤسسات وقطاع ريادة الأعمال تحديدا، فقد جاء هدف "دعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" ضمن محور التخطيط والتطوير بما يتضمنه من مبادرات تركز على إطلاق برنامج ريادة الأعمال السياحية.

وإذا ما اطّلعنا على مجلد البرامج الإستراتيجية للخطة الخمسية العاشرة (2021- 2025) نجد أنَّ القائمة تطول وفي كل الأولويات بالنسبة للبرامج التي تستهدف تنمية قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في شتى المجالات بالأخص قطاعات التنويع الاقتصادي التي يأتي قطاع السياحة من ضمنها، فالتخطيط الحكومي متوسط وبعيد المدى أفرد مساحة مقبولة نحو تنمية قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة رغم أنَّ الموقف التنفيذي لتلك البرامج لا يزال غير واضح بالأخص البرامج الاستراتيجية للخطة الخمسية العاشرة ونحن على مشارف نهاية الربع الأخير للعام الثاني من الخطة (2022) منذ بدء تنفيذها.

إن عملية بناء قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عملية مستمرة وتأخذ منحنى تطويريا مشابها ولا تختلف من قطاع لآخر إلاَّ من زاوية زخم الاستثمارات الحكومية والخاصة والخدمات الموجهة لذلك القطاع. فعندما نسقط الموضوع على قطاع السياحة فإنه لا يكفي بحال من الأحوال أن نقول بأن 70% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تستفيد من ثمار الفعاليات والتظاهرات السياحية المقامة دون أن نقوم بتقييم لقدرات تلك المؤسسات من كل النواحي المؤسسية والخدمية والاستيعابية ونطور منها، ونقصد بصفة أساسية المؤسسات التي ملاكها عمانيون وتأتي بقية التصنيفات بعد ذلك.

ومما يتضح من التجربة أن هناك عدة عناصر تعتبر من التحديات التي تسبب بعض التأخير في تطوير قدرات تلك المؤسسات لتستفيد من ثمار التنمية السياحية منها: المهارات والتمويل وضمان استدامة واستمرارية الخدمات والمناقصات والفعاليات. ولعل اللقاء الأخير الذي أجرته هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في محافظة ظفار في شهر أغسطس 2022م تطرق إلى التحديات التي تواجه برنامج "جاهزية" في إعداد رواد أعمال قادرين على الاستمرار، فبدون المهارات والتدريب اللازم قد لا يحصل رائد الأعمال على التمويل المدعوم وبعض الميزات الأخرى (الأراضي، الأفضلية في المناقصات).

إنَّ تنمية قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع السياحة يمكن أن توضع لها خطة تطويرية ليتسنى لها مواكبة متطلبات التنمية السياحية، نقترح أن تتضمن تلك الخطة الموجهات الآتية:

1- توسيع نطاق تطبيقات برنامج "جاهزية" لريادة الأعمال ليُسهم في بناء القدرات المفترضة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لضمان نجاح واستدامة النمو وما يتطلب ذلك من توفير الكفاءات التدريبية وميزانيات التدريب والتنسيق الكافي بين القطاعات المعنية.

2- ربط نماذج أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع السياحة بالقطاعات التجارية والأنماط السياحية المتنوعة ليتناسب معروضها من الخدمات مع الطلب الحتمي لتلك القطاعات والأنماط، بالأخص عند إقامة الفعاليات والتظاهرات السياحية. على سبيل المثال، هناك قطاعات وأنماط سياحية لابد من التركيز عليها في هذه المرحلة منها : قطاع الأغذية وسياحة المغامرات والسياحة البيئية والسياحة الصحية وخدمات السكن والمواصلات والتطبيقات الإلكترونية في السياحة والمنتجات الصحية والتجميلية والصناعات المرتبطة بالتراث وأهمية ضمان استدامتها واستمراريتها طوال العام.

3- الشركات السياحية الكبيرة والفنادق والمنتجعات أهملت التوسع في نماذج أعمالها المفترضة واستعاضت عنه بإقامة مؤسسات صغيرة ومتوسطة تابعة لها. كان من الأحرى إسناد المهمة لمؤسسات أخرى (Outsourcing) تجنبها الدخول في مخاطرة أنشطة خدمية وتجارية ثانوية؛ بل وتستفيد من عوامل التخصصية والجودة والتنافسية والكلفة لصالح أعمالها. وبهذه الطريقة تتوسع قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنمو مستفيدة من التطور الحاصل في القطاع. وهنا نشير إلى أنه لا بُد من مراجعة نسب التركيز الاقتصادي قطاعيا بما يسهم في تحقيق الغاية من تطوير قطاع السياحة ونمو أعماله ومؤسساته.

4- بناء القدرات لتلك المؤسسات عملية تحتاج إلى مراجعة مستمرة على المستوى الوطني ولا بأس من تقييم دوري لقدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع السياحة تتبناه وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.