الألعاب الإلكترونية.. الأضرار والحلول

د. سالم عبدالله حواس العامري

الألعاب الالكترونية هي ألعاب رقمية متوفرة من خلال شاشات الحاسب، والتلفزيون، والهواتف المحمولة، والأجهزة اللوحية، وتتميز بالعديد من المؤثرات السمعية والبصرية المشوقة وتخلق جواً من التفاعل الافتراضي بينها وبين اللاعب. 

وقد بدأ العمل في صناعة الألعاب الالكترونية في نهاية القرن التاسع عشر واصبحت منتشرة في عام (1981م) وقد انتشرت هذه الألعاب الالكترونية بسرعة هائلة في المجتمعات العربية بوجه عام والخليجية بوجه خاص، فلا يكاد يخلو بيت في الخليج منها حتى أصبحت جزءاً من غرفة الطفل، وأضحت عالماً يستهوي ملايين البشر حول العالم وينفقون عليها سنويًا مليارات الدولارات، وعلى الرغم من كل هذا الشيوع والانتشار، إلا أنه ما زالت هناك فئات وقطاعات واسعة من الأفراد والمؤسسات لا تعرف الحد الأدنى من المعلومات عن هذا العالم المثير ونظرية عملها ونشأتها وتطورها. 

وعلى الرغم من أهمية استخدام التكنولوجيا إلا أنه لا يزال الجدل قائمًا بين المهتمين بالطفولة والمربين  من حيث السلبيات والإيجابيات الناجمة عن الإفراط  في استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية. فهناك من يؤيد استخدام الأطفال للأجهزة التكنولوجية، وهناك من يعارض استخدامها للأطفال، وهناك من ينظر إليها بشکل محايد.  وفي ضوء هذا التباين نتطرق في هذا المقال إلى توضيح بعض الأضرار الناجمة عن الاستخدام المفرط- وليس العادي- للألعاب الإلكترونية على الأطفال من وجهة نظر المختصين في علم النفس والتربية، وأهم الحلول الممكنة للحد من آثارها السلبية على الطفل والأسرة والمجتمع. 

وقد حذر الباحثون والأخصائيون الآباء من تعريض أطفالهم الذين تقل أعمارهم عن عامين،  لشاشات الأجهزة، ولا يزيد استخدامهم لها على 60 دقيقة في المرحلة العمرية بين عامين وحتى 5 سنوات، مع وجود إشراف من أحد الوالدين باستمرار. وقد ذكرت بعض الدراسات أن بعض أولياء الأمور يشتكون حالة أطفالهم- ممن أصيبوا بهوس اقتناء هذه الألعاب والإدمان عليها- من وجود بعض المشاكل الصحية والتربوية بين أطفالهم. وقد قام عدد من الباحثين بدراسة أثر الألعاب الإلكترونية على الدماغ؛ حيث وجدت بعض الدراسات أن ألعاب الكمبيوتر تتجه نحو تدمير أدمغة المراهقين وذلك من خلال إعاقة تطور الدماغ، وأن هذه الألعاب تنتج أجيالًا عنيفة وتميل إلى ممارسة العدوان أكثر من الأجيال السابقة. 

وفي تقرير لصحيفة الخليج (2020)، أوضح القائمون على إحدى الدراسات الحديثة أن عدد الساعات التي يقضيها الأطفال في المرحلة العمرية بين (6) أشهر وحتى عامين على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يؤدي بشكل كبير إلى تأخرهم في الكلام؛ حيث توصل القائمون على هذه الدراسة والتي بحثت نحو (900) طفل، إلى أن الوقت المثالي لاستخدام هذه الأجهزة ينبغي ألاّ يتجاوز (60) دقيقة على مدار اليوم. 

وأشارت دراسة أخرى هدفت الى معرفة مدى تأثير الأجهزة الخلوية على ظهور بعض المشكلات السلوكية عند الأطفال، إلى أن الأطفال مستخدمي الأجهزة الخلوية هم أکثر عرضة لظهور المشکلات السلوکية والمتمثلة في العصبية وتقلب المزاج والشرود الذهني والبلادة، مقارنة بالأطفال غير مستخدمي تلك الأجهزة.  ولعل أبرز هذه الأضرار التي تطرق لها الكثير من المختصين هي أضرار جسدية ونفسية تسبب للطفل الكثير من المشاكل الأسرية والدراسية مثل حدوث فرط نشاط وشعور باللامبالاة لدى الأطفال، خاصة ممن تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والسادسة، كما يؤثر الإفراط في استخدام هذه الألعاب إلى الإصابة بالمشكلات في العمود الفقري، فضلًا على آلام الكتفين والرقبة ومفاصل اليدين، ومشاكل على صحة العين، وإصابتها بالإجهاد وقصر النظر،  إضافة إلى التعرض للإشعاعات المنبعثة من الأجهزة الذكية عند اللعب مما  يتسبب في حدوث الأرق واضطرابات النوم؛ الأمر الذي يتسبب في ضعف الانتباه والتركيز للأطفال مما يؤثر على التحصيل الدراسي. كما يتسبب الإفراط في استخدام هذه الألعاب إلى ظهور مشاكل صحية مثل الشعور بالصداع النصفي، السمنة وأمراض مرتبطة بها مثل السكري، ويزيد الميول العدوانية والعنف والعصبية لدى الطفل؛ حيث تدور أحداث أغلب الألعاب الإلكترونية، حول الحروب والمعارك واستخدام الأسلحة والعراك بمختلف الفنون القتالية، مما ينتج عنه الشعور بالقلق والتوتر الدائمين والميل للانطواء والتوحد وعدم الرغبة في التحدث مع الأخرين وغيرها.

وللحد من هذه الأضرار السلبية للاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية؛ ينبغي  للأباء والمربون  العمل على التدخل العاجل ووضع  الحلول المناسبة للحد من الآثار السلبية الناجمة عن هذه الألعاب، ولعل أبرز هذه الحلول على صعيد الأسرة هي:

ضرورة التحكم في عدد ساعات اللعب بالأجهزة الإلكترونية مع وضع قواعد للاستخدام السليم للألعاب الإلكترونية،  وإشراك الأطفال في الألعاب الحركية والنشاطات الاجتماعية والرياضية التي تنمي مهارات التواصل الاجتماعي وتعزز مهاراتهم، وتخصيص فترة زمنية محددة لكل طفل تتناسب مع عمره؛ فبين الميلاد والسنة الثالثة تتطور عقول الأطفال بسرعة وتكون حساسة بشكل خاص للبيئة المحيطة بهم، وتخصيص للأطفال من سن سنتين إلى خمس سنوات أقل من ساعة واحدة يوميًا؛ إذ يحتاج الطفل إلى محفزات محددة من البيئة الخارجية لكي تنمو الخلايا العصبية في الدماغ بشكل طبيعي خلال هذه الفترة، مع تعديل وضعية الجلوس لكل 15 دقيقة والحركة عند ممارسة الألعاب الإلكترونية. 

وعلى صعيد المؤسسات؛ ينبغي للجهات المعنية بمجال التربية وعلم النفس والتنشئة الاجتماعية بالتعاون مع كافة مؤسسات الدولة في القطاعين العام والخاص، تبني حلول وبرامج للحد من أضرار استخدام هذه الألعاب على الأطفال، مثل وضع ضوابط لاستيراد الألعاب الإلكترونية، واختيار الألعاب المناسبة لعمر وجنس الطفل، ومتابعة ما يستجد من ألعاب إلكترونية نظراً لتطورها  وتغيرها السريع، والحرص على توفير الألعاب الإلكترونية التربوية والتعليمية للاستفادة منها في تنمية القدرات العقلية للأطفال، والعمل على إعداد وتنفيذ برامج توعوية بمختلف مؤسسات التنمية الاجتماعية لتعريف المربين بإيجابيات الألعاب الإلكترونية وسلبياتها وطرق استخدامها. 

وفي ضوء ما سبق؛ نستنتج أن الألعاب الإلكترونية أصبحت اليوم من الظواهر الاجتماعية، التي  لا بد من البحث والتطرق إليها ووضح اقتراحات وحلول مناسبة لها، وذلك بسبب تغلغلها في أوساط المجتمع وخاصة لدى فئة الأطفال والمراهقين، وهذا ما دفع بالباحثين والمتخصصين للتطرق لها، من أجل التوعية بمدى تأثير هذه الألعاب الإلكترونية وضرورة الاستخدام العقلاني لها؛ فهي تسهم بدور كبير في تحسين مستوى الذكاء وزيادة الثقة بالنفس، لكن مع المراقبة المستمرة من قبل أولياء الأمور والحرص الشديد على استغلال هذه الألعاب فيما هو إيجابي؛ للتقليل من التأثير السلبي لها على الأطفال.  

تعليق عبر الفيس بوك