قهوة الاقتصاد المُرَّة

فاطمة الحارثية

الحكمة تصور كل ما يحدث حولنا على أنها "زوبعة في فنجان"، والتاريخ أكد أن الحلول المتسرعة والمؤقتة لا تأتي إلا بالنتائج الوخيمة غير المتوقعة، فالقطاف لا يأتي بدون بصيرة.. إذن، هل سنبقى نعمل ما لا نعلم؟ بحجة أن المعنى في بطن المسؤول؟ وشعار "المصير واحد"، فلا داعي للتشكيك والقلق؟ ومن يؤكد لنا أن المصير واحد وما زال مشتركا؟ وأنه لا توجد نوايا صناعة كبش فداء من أجل استمرار الوضع الراهن؟!

لم يعد ثمة وقت للهو والتجريب أيها المسؤول، فالاقتصاد قد أطلق جرس الإنذار بمرارة القادم، فالقرارات تُشقي الناس على الأرض، في تجريد واضح للحقوق وصحة ورفاهية البشر، والأرض تئن وتدافع عن نفسها من الحروب والانتهاكات والتجارب البيولوجية، عبر تعبيرها الصارخ من خلال التصعيد المناخي، وجهل الإنسان التام بما سوف يحدث أثناء وبعد هذه التغيرات العالمية.

زمنٌ نتودد فيه إلى أصدقاء أعدائنا، ففي تجاذب غريب لأطراف الحديث، تحدث وقال: إن ما يعوز الاقتصاد هو جودة التنفيذ، وإتقان استثمار عوائد الجهد. جعل قوله يطرح في نفسي موجة من التساؤلات: هل الجودة والإتقان تحتاجان إلى المركزية؟ وما المؤشرات المناسبة؟ وهل نحتاج إلى المقاربة بين ما نفعله وما نكرره من أعمال ومشاريع؟ فما قد نجح في ظروف ومحيط ما، قد لا يتكرر بنفس ذات النجاح؛ فالنفوس ليست ذاتها وإن كانت لنفس الشخوص، والظروف مهما تشابهت تبقى في زمن مختلف. ومع الوضع الراهن للاقتصاد وما يقود إليه من خوف وترقب، لن نستغرب أحداث طالما استهجنتها العقول، مثل تنمر الدول على بعضها البعض، وحكر حقوقها في جهر وتجاهل متعمد، لتغيير الأوضاع لمصلحة فئة دون الأخرى، والتي لن تدوم لأحد مهما طال بهم العمر.

وهذه المشاهد لا تسمح لنا أن نكتفي بالمتابعة؛ بل علينا صناعة واستحداث التدابير الوقائية، وإن لم نستطع فعلينا بالاستعداد النفسي لمواجهة أسوأ السيناريوهات التي قد تخل بموازين وجودنا ومصيرنا.   
ولكل جميل نقيض، فبالرغم من جمال الشفافية، إلا أنها مرتع خصب لكل عدو، ليعلم ويجد ما نشارك به من ثغرات، يصوب فيها سهامه السامة، ونقاط ضعف قد لا نلمسها لأسباب كثيرة لا يتسع المقال لتعدادها، وهذا أيضا باب من أبواب مراجعة ما يبثه المتفاخرون بالسلبيات والإيجابيات، سواء بالنقد أو الاحتفال في مواقع التواصل المختلفة، وكشفهم لأمور ومواقع حساسة، لم يصنعها من صنع بعين الناظر للخلفية والزوايا، بل بعينه البسيطة التي نظر بها إلى نفسه، ووضعيته وما يفخر به، سواء كانت تلك الخلفية لمواقع استراتيجية أو جهات رسمية أو حساسة.  

خرجت الأزمات اليوم من رحم الانفتاح والعولمة التي لم يستطع الناس التعامل معها إلى يومنا هذا، يرى البعض أنها فرصة لتطور الناس وتحقيق الرخاء، ويرى البعض الآخر أنها عائق أضاع الاجتهاد وأتخم التقليد والكسل، ووصل فكر البعض الآخر إلى أنه رجس أضاع العادات والقيم والمبادئ، ووجبت إعادة صياغته وتنظيمه. ومن حبال العولمة شهدنا تغير الكثير من المفاهيم والسلوكيات، مثل إعادة صياغة منظومة وأحكام القائد، والتي بالغت بعض وجهات النظر إلى محاولة إيصاله إلى الكمال، وتحويل المهارات التي هي أصل تميز الناس واختلافهم الجميل، لتناسب استحقاق القيادة إلى عمل وصراع مريض من أجل النفوذ الذي للأسف أخضع القيادة في تعريفها.  لنرتشف فرضية أنك مسؤول تشتهي النفوذ، وتريد البقاء على رأس الهرم، فهل أنت بحاجة إلى المسميات التي يعبدها الناس لتحقق مبتغاك؟ أو لتمتلك سلطة ما؟ لا أعتقد ذلك؛ فالقيادة هبة وفن، والسلطة مهارة وقدرة، ولنقل إن التنويع هو أحد أركان بقائك على رأس الهرم، فما هي طرق التنويع التي تمكنك من ذلك؟ أعتقد أولها: عدم ترك زمام الأمور لنفسك والثقة الزائدة بكفاءتك. ثانيا: صياغة قيم تتبعها للتجديد والتطور، ومن أجل تنويع القطاف ورفع قيمته، ومثال ذلك بلورة مفاهيم القيادة، والارتقاء بها إلى منظومة الشراكة والزمالة، فنحن في الواقع الاجتماعي أو العملي أو حتى الدولي، نختلط ونمتزج بالكثير من الناس، فإن اقتصرت علاقتنا على هيئة قائد وتابع، لا أعتقد أننا سوف نحقق أي شيء حقيقي أو مستدام، بينما علاقة الشراكة تحمل منظورًا مختلفًا تمامًا وبُعدًا قد يُوصلنا إلى عنان الكمال. 

*****

سمو... 

علا صوت الأرض، فاهتزت السماء وأربدت، فأخشوا من علو أصوات الناس، فالرد قد لا يُحتمل.. والأرض سخرها الله لعبادة، وإذا ما اختلط أنينيها بأنين الناس، فويلٌ لما سولت لكم أنفسكم فعله.