ما أصعب شيء في الحياة؟!

◄ الخوف يُفقد الإنسان الإيمان بالقوة ويؤثر على الإنسان بالسلب

أنيسة الهوتية

مذ استشعر عقلي الإدراك والوعي المجتمعي، انجرف فضولًا وحبًا لسوالف الشياب بمجلس أبي، وبعد استيعاب قول أحدهم: "أن فلانًا لا يصعب عليه شيء فهو إنسانٌ قوي"، ربطتها بحادثةٍ حصلت قبلها بيومين حين تعاركا أخي وابن أختي تحديًا من منهما الأقوى والفائز يكون قائدًا لبقية الصغار! وقبلها بليالٍ كانت جدتي تتحدث عن قوة النبي سليمان -عليه السلام- وكيف أن الله سخر له الجن فأصبح قائدًا وسيدًا عليهم.

بدأ عقلي الصغير يستنتج أن القوة أهم شيء في الوجود، وبدأتُ أُدونُ كل الاشياء الصعبة عليّ بنية التغلب عليها حتى أكون أقوى، ثم أقوى.. والحمدلله الذي حماني من رغبة ممارسة القوة على الأشخاص والمخلوقات، وجعلها خالصةً على نفسي فقط.

ومنذ بدأت جدول التحديات في عمر السادسة واستمرت إلى العشرين، غيّرت عنوان الجدول من "أصعب شيء علي في الحياة"، إلى "أصعب شيء في الحياة".. فقد بدأت أفكر وأرغب في تحدي الأشياء الصعبة في الحياة وليس فقط التي تكون صعبةً علي لوحدي، ودائمًا كنت أجد أمرًا صعبًا أرغب في التوغل فيه وتحديه، ومن ثم أجد أن هناك من استسهله وقضى عليه! فأدرك أنه لم يكن صعبًا من الأساس فأمسحه من قائمة "أصعب شيء في الحياة" وأبدأ بالبحث من جديد!

ومن العشرين إلى الأربعين وبعد عشرة أعوامٍ مضت اكتشفتُ أن القرار الذي اتخذته لتغيير العنوان في بداية ثلاثينياتي ونوع التحدي كان غير صائبٍ، وأن الأصح هو فعلًا أن أضع عنوان التحدي "أصعب شيء علي في الحياة" وليس "أصعب شيءٍ في الحياة"؛ لأن كل إنسان يختلف عن الآخر في فكره، وقوامه، وبنيته الجسدية، وطاقته، وقوة تحمله وصبره! وكذلك طبيعة حياة كل واحدٍ منا تختلف عن الآخر، فلا يستطيع أحدنا أن يدخل في تحدٍ مع نفسه لأمرٍ استصعبه شخصٌ آخر!

فلو سألنا عدة أشخاصٍ سؤالًا واحدًا ألا وهو: "ما أصعب شيءٍ في الحياة؟"، سنجد جوابًا مختلفًا من كل شخص، وإن تشابه جوابان أو أكثر فسيكون بسبب رابط فكري، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو صحي، أو بمعنى أدق "حبكة مشتركة" وإن اختلفت الرواية، إلّا أن أحداثها تتشابه.

وباختلاف نوع القوة التي يمتلكها الشخص، يختلف نوع التعامل مع الصعوبة التي يواجهها، مثل زينب وأمينة -أسماء مستعارة-، كلتاهما لديهما صعوبة في الحياة تتشابه مع الأخرى وهي: "زوجٌ كريم نشمي شهم يمدحه الناس في كل محفل، ولكنه في البيت سيء الطباع ومعاملته لزوجته لا تخلو من الوقاحة والإهمال حين يكونان لوحدهما، أما أمام الناس فإنه أروع رجل في العالم!" ولأن زينب امتلكت قوة الصبر، والحب القوي الذي يسكن قلبها له، فإنها قررت أن تصبر عليه وأقنعت نفسها بأن "قليل الشيء خيرٌ من عدمه"!

أما أمينة التي لديها قوة شخصية، ورغبة قوية في عيش حياةٍ هادئةٍ تحفظ فيها كرامتها وعزة نفسها عن الذل قررت الانفصال وإن أدمى ذلك قلبها وحبها، فرفعت دعوى خلع على زوجها بعد أن رفض التطليق! وهنا كلتاهما قويتان، وكل واحدةٍ منهما تصرفت حسب قوتها التي تمتلكه، وتحدت أصعب شيءٍ في الحياة بالنسبة لها.

ومثلما نوع القوة يؤثر على أسلوب التعامل مع الصعوبة، كذلك هناك عاملٌ سلبي يضاف إلى القوة، فيؤثر عليها ويبدل نوعها، أو يفقد الإنسان الإيمان بها وهو عامل الخوف. كمثلِ إنسانٍ قويٍ البنية سقط في بئرٍ عميقة، ولم يحاول تسلق جدارها خوف السقوط والموت! ولكنه مات لاحقًا من الجوع والعطش والرطوبة!

خلاصة الاكتشاف أن الخوف هو أصعب شيءٍ في الحياة!