المفردة المحلية بين الواقع والعمل الفني

 

عوض المغني

 

تظل خصوصية المفردة المحلية في الفلكلور الظفاري متأصلة ومتجذرة جدا بجذور تلك الفنون التقليدية، ونزداد يقينا كلما تم النبش أكثر في فحوى هذه المفردة أو تلك ولم وفيم قيلت؟!

وحاليًا- وإن صح التعبير- فالمفردة الظفارية تعيش أوج بروز لها بفضل جيل من الشباب المبدعين والمهتمين بمختلف الفنون كتابة ولحنًا وأداءً، ساعد على ذلك هذه الثورة التقنية؛ سواء الإعلامية أو على مستوى توفر التقنيات المطلوبة لإنجاز الأعمال الفنية، فما عاد المطلوب السفر إلى الخارج للتسجيل أو البحث مطولا لتوفير الفرق الموسيقية المتكاملة والتي كما ذكر المختصون نعاني من نقص شديد في توفر عدد من عازفي الآلات الموسيقية عدا الإيقاعات وآلة العود.

ويبدو أن هذه القفزة التقنية (مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية) وفَّرت الفضاء اللامتناهي والأرضية الخصبة للانتشار، حيث أتاحت للعديد والعديد من الأغاني والنصوص الغنائية الانتشار بدون الرقابة التي تفرضها الجهات الرسمية بعيدا عن متطلبات العمل الفني التي تشترطها اللجان الرسمية في الجهات المعنية بالإعلام أو وزارة الثقافة والرياضة والشباب حاليا، والنأي بالنص عن قلم المصحح وإلغاء مفردة محلية أصيلة قد ترتئي اللجان عدم صلاحيتها للعمل!

وللمسألة وجهان من وجهة نظرٍ شخصية؛ الأولى: التعامل مع المفردة المحلية قد يأتي من باب عدم ملاءمتها ومسايرتها للعصر مثلًا، لكن النص الشعري بنائيا صيغ من قبل مبدعه كلبنة تحمل الكثير من المعاني التي تختزل مشاعره ودلالة يحاول إيصالها.

الثانية: ربما يكون للاتجاهات الفردية لأعضاء اللجان دور في التحكم في تمرير مفردات النص بلا تعديل، لاختلاف المشارب والاتجاهات الفنية والأسلوبية التي يحبذها، سوى أن الأخطر أن ينظر إلى المفردة الملغاة لعدم مسايرتها للعصر. فتلك المفردة الغارقة في المحلية قد قيلت قبل 70 أو 80 عامًا، على لسان شعراء غنائيين كجمعان ديوان ونصيب بوسلاسل مثلا، وكانت تصور خير تصوير حياتهم المعاشة ولغتهم المنطوقة دون ازدواج لغوي كالحاصل معنا، مع ذلك لم تمنع انتشارها بين الأجيال اللاحقة كأغاني "شجرة الهيل" و"ساحرعشق جنية" و"يا حمد بالله ساقيني" لبوسلاسل وغيرها، ولم تختف عن المشهد الفني يومًا؛ بل العكس انتشرت بعد أن صدحت بها حناجر المطربين الشباب، وإدخال التقنيات الموسيقية الحديثة.

التجارب الخارجية مع المفردة المحلية الظفارية والعمانية عمومًا، تؤكد أن المحلية لم تكن عائقاً لدى الآخر في التعامل مع النص الغنائي المحلي، وآخر تلك التجارب مع الفنان المصري حمزة نمرة وقبله حسين الجسمي، وتعاملهما مع فارق زمني طويل نسبيا مع أغنية "يا صانع صنع لي طيارة ". وإشكاليتنا مع المفردة المحلية في الصوت أو الأغنية القديمة أحيانا عدم وضوحها نطقاً كون العديد منها نقلت شفاهيا ولم تحظَ بالتسجيل إلا متأخرة، وهذا يضيع بعضا من أصالة المفردة فنسمع مثلا "إذا طارت مالها داوية " لتتحول لدى البعض إلى "زاوية" أو في أغنية أخرى "يا مطر صبي على الغيل" ينطقها البعض الغيث.

إجمالًا.. المفردة المحلية بالتجربة والواقع قادرة على الثبات والوصول بالعمل الفني مع بقية العناصر كالأداء واللحن إلى أبعد من المحلية، واستنكافنا عن استخدامها كنوع من مسايرة العصر، والذي أنتج نماذج معينة في الإلقاء الشعري بحكم الانتشار الإعلامي وتسيد تلك النماذج، هو ما يضعنا كأجيال حالية معايشة للواقع تحت طائلة الاتهام.

وفي اتجاه آخر كذلك استخدام اللهجة المحلية الظفارية في النصوص الدرامية والمسرحية جواز عبور لها، لكنها أيضًا تحولت للأسف إلى إسفاف غير مقصود وكأن الجميع يتحدث بتلك اللكنة الدرامية التي نسمعها ولا نعرف إن كان هناك بيننا من يتحدثها بتلك الطريقة!!

رسالة للمهتمين بالجانب الفني الغنائي خاصة، مفادها أن النصوص الشعرية المغناة كي تعبر إلى القلوب، فهي بحاجة إلى لغة وسطى خفيفة يدركها الجميع والإيغال في المحلية إذا لم تخدم العمل؛ فالأولى تركها، خاصة وأن الأسماع والأذواق اختلفت باختلاف الأجيال، فلدينا لهجة محلية منطوقة، والبحث عن قديم الألفاظ مع اعتزازنا بها قد لا يخدم العمل؛ فالتلقائية مطلوبة.

تعليق عبر الفيس بوك