المجموعات "الواتسابية" المختلفة

 

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

لا بُد وأنَّ عددًا غير قليل في المُجتمع منضمٌ إلى مجموعات واتسابية، وقد تضاف إلى مجموعة واتسابية تكون في غنى عنها، نظرًا لما يُقدمه البعض من مضامين قد تُثير انزعاجك وتعكر صفوك.

أما فيما يسمى "مدير الجروب"، فربما قد نسي أو تناسى أنَّه المسؤول عن إدارة المشاركات وتوجيهها التوجيه السليم، وتبقى المشاركات عشوائية دون توجيه أو تنظيم، وهذا خطأ في أي مجموعة واتسابية؛ إذ لا يُمارس مدير الجروب دوره كما ينبغي. ولذا كم من مرة حدَّث البعض نفسه بترك هذه المجموعة الواتسابية أو تلك؛ نظرًا لبعض المضامين السيئة المرسلة على عواهنها. وإنما يبقى المُشارك مستمرًا في المجموعة مع الآخرين مجاملة، ولأنه من غير اللائق الانسحاب، خاصة وأن معظم الأسماء في المجموعة يعرفها وتعرفه، وكلفوا أنفسهم عناء الترحيب به فور إضافته.

وقد تجد في المجموعة شخصيات لا تحسن التصرف وليس لديها تقدير جيد لما هو مناسب إرساله من مقاطع ورسائل وما يجب تجنب إرساله، والبعض يُعطي نفسه حق المُشاركة بأكثر من حقه، بما لا يتفق مع النسق العام للمجموعة. وليس معنى أن تكون ضمن مجموعة واتسابية أن تسمح لنفسك بإرسال ما ترغب بإرساله متى ما أردت وكيفما أردت، فيجب التمهل والتفكير الجيد قبل الإرسال؛ فبعض الإرسالات لا تتناسب مع أفكار وتوجهات الأغلبية وتخالف الذوق العام في المجموعة، وتثير غضب وامتعاض الآخرين على الرغم من التزامهم الصمت احترامًا لبقية الموجودين، ولكنهم في الواقع غير راضين عن ذلك الإرسال. وسريعًا ما تتكون فكرة سلبية عن شخصية المرسل وطبيعته وتوجهاته فقط من خلال مشاركاته غير المناسبة. بينما هذه الفكرة التي تكونت عنه من المجموعة، كانت مخفية مطموسة غير معروفة عنه من قبل، وأظهرتها للعيان نوعية مشاركاته!

وقد يكون هناك شخص يُرسل مقاطع هزيلة مملة سخيفة، ويُكثر منها، مما يدل على التفاهة والسطحية وفراغ الذهن لهذه الشخصية، حتى ولو كان يبدو محترمًا سابقًا قبل مشاركاته التي أظهرته على حقيقته.

وقد تكون هناك شخصية نرجسية بين المجموعة مختالة متفاخرة معجبة بنفسها، ترسل صورًا عن نفسها وأمكنة ومناسبات تواجدت بها، على الرغم من أنَّ الآخرين غير مكترثين لشأنها وأحوالها غير المهمة لهم، ولا أحد يريد منها هذا الإرسال الشخصي الخاص، وإنما هذه الشخصية تعتقد أنها ترفع من مستواها المعنوي أمام الآخرين بهذه الإرسالات!

وآخر قد يُرسل أحاديث مُوجهة لشخص مُعين في المجموعة بالاسم وبمخاطبة شخصية خاصة، وهذه مكانها ليس في المجموعة الواتسابية، وإنما للشخص نفسه، إلى رقم جواله الخاص، لكن هذه الشخصية المرتبكة تُريد أن يستمع لقولها الآخرون، على الرغم من تأفف المجموعة من هذا الأسلوب غير اللائق والمستفز، كما إن أفرادها لا يهمهم الاستماع لما تقوله هذه الشخصية، طالما الكلام غير موجه لهم ولا يعنيهم، حتى ولو كان ذلك المرسل إليه موجودًا بينهم!

وضمن المجموعة أيضا قد يكون هناك شخص غارق في توجهاته الدينية، فتجده يمطر الآخرين بالأحاديث والأدعية والابتهالات الدينية ومواضيع الصلاح والفلاح والتوبة والندم ومآلات المذنبين إلى جهنم؛ وكأنه داعية ديني، وعثر على ضالته ليذكرها بالاستقامة والعودة إلى الرشد.

أما غيره، فتجده يُرسل المُلهيات من الرقص والأغاني وبعض من جوانب الابتذال الأخلاقي، ويفعل ذلك غير مُبالٍ بمشاعر الآخرين، أو غير مدركٍ أو مستوعبٍ بأن ما يقوم به خطأ.

وقد تجد آخر في المجموعة متشائمًا مكتئبًا يُترجم آهاته وعذاباته التي تتوافق مع حالته النفسية وصراعاته الذاتية من خلال مقاطع فيديو أو رسائل حزينة، يبثها للمجموعة، لاعبًا دور الضحية الذي قست الدنيا عليه وألقت به في مهاوي الردى!

وهناك أيضًا شخصية "ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله"! وهذه الشخصية لا تشارك المجموعة إلا بهاتين العبارتين، وقد خصصت عبارة "ما شاء الله" لما يعجبها من مشاركات، و"لا حول ولا قوة إلا بالله" لما يدهشها ويثير استغرابها.

وتبقى مشاركات المجموعة الواتسابية من مقاطع ورسائل وتعليقات متنوعة مختلفة، وكيفما تأتي فيجب أن يكون أساسها التوازن والاعتدال، والعمل على مراعاة مشاعر الآخرين وعدم التهجم أو التخابث أو التقليل من شأن أحد أو منافقة أحد، وإنما البعض لا يستوعب ذلك ولا يدركه فكل إناء بما فيه ينضح.

والأفضل من الطرف الثاني المستقبل إذا وجد نفسه ليس لديه الصبر الكافي لتحمل عناء التعامل مع أصناف المشاركين في المجموعة باختلافاتهم الحياتية وأفكارهم المتنوعة وحالاتهم النفسية المختلفة، أن يُسجِّل "خروج" من المجموعة؛ ليجد المجموعة التي تتوافق مع ميوله وتوجهاته وشخصيته، ولن يجد، فكل شخصية مختلفة عن الأخرى، وقد تتوافق معها في أشياء وتختلف معها في أشياء أخرى، في هذا العالم المختلف المتناقض المتنوع الذي نعيش فيه.