البيوت المهجورة والقديمة.. بؤر للفساد والمخالفين

 

سالم البادي (أبو معن)

 

يعلم القاصي والداني أنَّ بلادنا العزيزة "سلطنة عمان" تمتاز بجمالها الخلاب وتأسر الأنظار وتجذب الزوار، وتمتاز بجمال وروعة طرازها المعماري العماني الفريد، وقد فازت مدن عمانية بجوائز إقليمية ودولية وعالمية، ومنها مدينة مسقط ومدينة صحار ومدينة نزوى؛ حيث سبق وأن فازت عاصمتنا الجميلة "مسقط" بجوائز عديدة، وآخرها حصولها على المرتبة الثالثة كأجمل مدينة عالميا حسب تصنيف موقع "هاوس بيوتيفل" (house beautiful) الشهير متقدمة في هذا التصنيف على مدن عالمية مثل باريس وبودابست وغيرها من مدن العالم.

و"مسقط" هي المدينة التي تغزل فيها الشعراء، وذكروها وكتب عنها الكتاب والأدباء، وأثنى عليها الرحالة والسفراء، وغنت الطيور في سمائها وفتنت زوارها بروعة عمرانها العماني الأصيل.

وحتى تبقى "مسقط" بهذا الجمال والتنظيم في التخطيط وجودة العمران، وتظل وجهة سياحية واستثمارية عالمية وتظل من أجمل "مدن العالم " وددنا أن نسلط الضوء على ظاهرة خطيرة، تستدعي النظر فيها بجدية وإيجاد الحلول السريعة والفعالة للحد منها... وتتمثل هذه "الظاهرة" في وجود مشاريع ومبانٍ وبيوت كثيرة بمختلف استعمالاتها في محافظة مسقط مشوهة للمنظر العام وبعضها مهجورة وغير صالحة للسكن أو التأجير، فهناك بيوت هجرها ملاكها وانتقلوا إلى مساكن ومناطق جديدة وحديثة، فضلا عن مبانٍ وبيوت قد أخلاها سكانها منذ سنوات طويلة بصدد هدمها وقد ظل وضعها على ما هو عليه لفترات طويلة إلى الآن ..!!

وتعد هذه المباني والبيوت والأحياء القديمة هي بمثابة تشويه للواجهة الحضارية للعاصمة "مسقط"، وتشكل علامة فارقة في عدم معالجة هذه الظاهرة بسرعة واستكمال الإجراءات القانونية مع ملاكها حول استكمال بنائها أو صيانتها أو هدمها، بالمقابل بالإمكان أن تشكل تلك المساكن نموذجا عمرانيا ومنظرا جميلا وحضاريا للسلطنة، وهنا يظهر مدى الحرص في الحفاظ على الطابع العمراني والتنموي للسلطنة.

وسوف نركز في هذه الظاهرة على مناطق محددة في محافظة مسقط؛ كونها عاصمة سلطنتنا الحبيبة وتمثل واجهة حضارية وواقعة في وسط المحافظة وعلى الشوارع الرئيسية للمحافظة وتضم مواقع وأحياء سياحية وتجارية واقتصادية. وهنا على سبيل المثال وواقع الحال نذكر مناطق: روي السكنية والتجارية، والولجة والحمرية، ومطرح بكل أحيائها وقراها، وسداب ووادي عدي والوطية؛ حيث تضم هذه المناطق أعدادا كبيرة من المباني والبيوت التي هي بحاجة ماسة إلى النظر فيها وتسليط الضوء عليها بسبب ما ينتج عنها من ممارسات وسلوكيات غير حضارية وغير أخلاقية، وما يترتب عليها من أبعاد اجتماعية وأمنية واقتصادية وصحية وبيئية، وما ينتج عنها من مخاطر وأضرار تهدد أمن المجتمع وراحته وطمأنينته.

وتعرض تلك البيوت المهجورة والمباني القديمة حياة الآخرين للخطر في حال سقوط أجزاء منها أو كلها، علاوة على أنها تشكل مرتعا لممارسة السلوكيات غير الأخلاقية، فضلا عن اتخاذها كملاجئ ومأوى للعمالة الوافدة المخالفة لقانون الإقامة بالسلطنة، وللمتسللين للبلاد بطرق غير مشروعة، بينما يستعمل بعضها من قبل العمالة الوافدة كمخازن ومستودعات غير صالحة للمواد الغذائية ومواد البناء والمواد الأخرى بطرق غير قانونية وتتسبب في إزعاج جيران الأحياء السكنية الأخرى؛ حيث يتسبب استمرار وجودها في تشويه المظهر الجمالي العام التي تتميز به "محافظة مسقط" حيث أصبحت تلك البيوت والمباني المهجورة بؤراً لتكاثر الحشرات الضارة والزواحف والقوارض والحيوانات الضالة.

ورغم جهود ومبادرات بعض الجهات والمؤسسات الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني باستمرار سير أعمال الترميم والصيانة للمباني والمساكن القديمة والمهجورة ومعالجة أوضاعها، فقد أصبح من الأهمية بمكان أن تقوم الجهات المعنية بدورها في سرعة تنفيذ وتفعيل كافة الأنظمة والقوانين للحد من الظواهر السلبية والسلوكيات والمخاطر والتداعيات التي تنتج عن آثار هذه "الظاهرة" والتي تؤثر بشكل أو بآخر على الصحة العامة وتشويه المنظر العام والطابع الحضاري للمدينة.

هذه المباني والمنازل المهجورة والقديمة غير مقتصرة في الأماكن والأحياء التي ذكرناها بمحافظة مسقط فحسب، بل تمتد إلى محافظات السلطنة الأخرى، وهو الأمر الذي يوصلنا إلى مدى معرفة الجهود والدور الذي تقوم به تلك الجهات المعنية بالأمر، ومنها البلديات والمجالس البلدية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني في كيفية التعامل والتعاطي مع هذه "الظاهرة "، والتي يندرج بعضها تحت المباني الآيلة للسقوط.

 إن انتشار هذه الظاهرة في كثير من المناطق والمدن يشكل عائقا أمام مسيرة النهضة العمرانية التي تشهدها السلطنة في ظل النهضة المتجددة التي يقودها عاهل البلاد المعظم جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله-، حيث أصبح الوضع بحاجه ملحة إلى التعاون والتكاتف من الجميع، بدءا من المجتمع نفسه كونه يضم ملاك تلك المساكن والمباني والمنشآت وبإمكانهم تعديل أوضاعهم الخاصة بإحدى الوسائل والطرق التي تحول دون استمرار هذه الظاهرة حتى القضاء عليها، ويتمثل ذلك حول تعاونهم وقيامهم بواجبهم الوطني نحو إخلاء تلك البيوت التي لا تصلح للسكن من ثم هدمها بالتنسيق مع الجهات المختصة بذلك، أو صيانتها وترميمها بما يتوافق والطراز المعماري الحضاري، مع تحمل مسؤوليتهم حول متابعة ومراقبة أوضاع المستأجرين فيها وعدم إهمالها. بينما يأتي على عاتق الجهات الحكومية القيام بدورها الريادي للحفاظ على جمال المدن ومعمارها العماني الحضاري، وسرعة إيجاد الحلول الكفيلة التي تساهم وتحد من انتشار هذه "الظاهرة " وفق القوانين والأنظمة واللوائح التنظيمية والتشريعية بالسلطنة.

وأرى أن الحل للحد من هذه "الظاهرة" يتمثل في هدم تلك البيوت والمباني القديمة وإعادة تخطيطها من جديد وتوزيعها للمستحقين لها بحيث تعطى الأولويه لملاكها القدامى، بيد أن الأحياء القديمة التي توجد فيها بيوت أثرية ومعالم تاريخية يعاد صيانتها وترميمها وتصميمها بما يتلائم ويتوافق مع الطراز المعماري التاريخي لعمان، بحيث تقام فيها مدينة إسكانية تراثية تاريخية تكون وجهة سياحية كحال أي مدينة سياحية تاريخية عالميه تستقطب السياح والباحثين والمهتمين بالتراث والتاريخ والإرث الحضاري العريق وزائري السلطنة بحيث تكون مكتملة الخدمات والبنية التحتية وصديقة للبيئة.

لا شك أن هذا الحل سيساهم في توفير عدد كبير من الأراضي بمختلف استعمالاتها في المناطق القديمة، وسيسهم في توفير وحدات سكنية وتجارية وسياحية جديدة وحديثة تتواءم مع التطور الذي تشهده السلطنة في جميع المجالات، كما سيساهم في عودة السكان الأصليين لتلك المناطق والأحياء القديمة، ويدعم الحركة التجارية والاقتصادية والسياحية في محافظة مسقط بشكل عام، ويزيد المحافظة رونقًا لافتًا وبريقًا لامعًا وجمالًا فاتنًا وعمرانًا زاهيًا كما هي دائمًا وأبدًا.