أكذوبة الثراء السريع

 

مدرين المكتومية

استيقظ رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد "تويتر" بالأمس على ترند "#زد_ميديا"، التي ضخت مبالغ كبيرة للترويج عن نفسها، ومن ثم تفاجأ كل مشتركيها بأنها شركة وهمية، وكانت النتيجة خسارة أموالهم التي دفعوها كأسهم للحصول على  أرباح!

الأمر لا يتعلق هنا بالشركة الوهمية، ولست بصدد الحديث عن هذا النوع من الشركات ولست أيضا بصدد الحديث عن الأموال التي ضاعت هباءًا منثورًا، بقدر ما أأ أود تسليط الضوء على ثقافة المكسب السريع، والرغبة الشديدة من قبل الكثير من الأشخاص كي يكونوا بين ليلة وضحاها "أثرياء" باعتباره الهدف الأوحد في الحياة!!

الثراء لا يأتي ويتحقق بكبسة زر، فالثراء جهد سنوات طويلة من العمل الدؤوب والجهد الكبير، والثراء ثراء النفس قبل ثراء النقود، وهو كأي شيء في الحياة يحتاج إلى ثمن، والثمن بالتأكيد هو العمل بكدٍّ واجتهاد ليل نهار. الثراء الحقيقي أيضا ليس بالمال تمامًا، وإنما بالرضا والقناعة بما يمتلكه الشخص من نعم وهبها الله له، يتمنى شخص آخر في إحدى البقاع من الأرض أن يمتلكها.

صحيحٌ أن الثراء حق مشروع ومطلب يتمنى أي شخص أن يحظى به ويعيش حياة الأثرياء، لكنه أيضا ليس سهلًا، غير أن استسهال الكثيرين له من خلال طرق مختلفة جعل الكثير من الأشخاص يريدون سلوك أي طريق ليصلوا لمرحلة امتلاك المال. إنني أكاد أجزمُ أن هؤلاء الأشخاص لم يفكروا للحظة من أين يحصلون على الأرباح ولم يتساءلوا، بل أرادوا فقط أن تزداد أموالهم ويزداد رصيدهم البنكي، ليتسنى لهم شراء سيارة فارهة، منزل بأحد المجمعات السكنية الراقية وغيرها من الأشياء المادية الأخرى.

أعود لأقول إنني لست ضد أن يحلم الشخص بجني الأموال، ولكن من خلال السعي لتحقيق ذلك، وبالطريقة الصحيحة مع الابتعاد عن الطرق الغير المنطقية والتي لا يصدقها عقل، خاصة وأن من يعتاد على الحصول على ما يريد دون أي جهد، بالتأكيد لن يشعر بأهمية ذلك، وسيظل يشعر بالنقص حتى وإن امتلك خزائن الأرض؛ فأكبر رجال الأعمال في العالم لم يصلوا إلى مرحلة الثراء عبر كبسة زر أو من خلال المضاربة في عملية واحدة؛ بل صنعوا المال في عشرات السنين، من العمل ليل نهار.

من المؤسف أن تنتشر بيننا ثقافة الربح السريع والمكسب الخالي من التعب والجهد، لا سيما وأن ثقافة الإنترنت والسوشال ميديا التي باتت مهيمنة على تفكير وعقول قطاعات عريضة من المجتمعات- وليس فقط مجتمعنا العماني، بل حتى خارج عمان- تسببت في عزوف الناس عن العمل الحقيقي، والاجتهاد والمثابرة، وفقدان الشغف. كما إن الممارسات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصًا تطبيق، مثل: إنستجرام أو تيك توك، دفعت الناس للتفكير والحرص على جني الأموال دون تعب.. يقول لي أحد الأصدقاء: إن هناك حسابات معروفة على هذه التطبيقات تمنح المستخدم أموالًا مقابل المكوث لساعات طويلة (تصل الى 10 ساعات متواصلة في اليوم)، دون أن يقدم شيئًا نافعًا!! فقط يجلس ويفتح "اللايف" (أي البث المباشر) ويترك هاتفه كذلك! ثم في نهايةا المطاف يحصل على أموال دون أي جهد او تعب.

لقد كان آباؤنا وأجدادونا يأبون الحصول على أي مال أو طعام لم يجتهدوا في الحصول عليه، وأتذكر أنني عندما كنت صغيرة، كنت أشاهد أبي وجدي وأعمامي وهم يمارسون العمل في حر الشمس، بكل عفة وجد وإخلاص. لم يشتكوا يومًا من حرارة الصيف ولا برودة الشتاء، ولا جفاف الأرض، كانوا يسعون بكل طاقتهم من أجل توفير العيش الكريم لأبنائهم. أعلمُ يقينًا أن هناك الكثيرين ممن يجتهدون في أعمالهم- ولله الحمد- ما زالوا بيننا، لكن المخيف أن أجيالًا عدة لم تعد تحمل في نفسها ذلك الشغف والحرص على كسب الرزق بالطرق التي نعرفها جميعًا، وتتلخص في الجد والاجتهاد والإخلاص والتفاني.

نصحيتي إلى كل من يجري وراء الثراء السريع، والذي هو أكذوبة كبرى، أن يعمل على تطوير مهاراته واكتشاف نقاط القوة في شخصيته والعمل بكل ما يستطيع من أجل أن يكسب قوت يومه وزرقه بالحلال والاجتهاد، وأن يكون استخدامنا لوسائل الاتصال الحديثة قائم على معرفة ووعي، وأن نتجنب الوقوع في مواطن الشبهات، وأن نبتعد عن العصابات والشركات الوهمية التي لا همّ لها سوى سرقة أموالنا، تحت زعم "جني الأرباح"..

وأخيرًا.. وبعد كل هذه الحوادث التي تتكرر بين فترة وأخرى، ألم يحن الوقت كي يتعلم الناس الدرس ويعملوا أنه لا مجال للكسب وربح الأموال سوى بالعمل الخالص الذي يكد فيه المرء ويتعب؟! أتمنى ألّا أكتب عن هذا الموضوع بعد شهرين أو أكثر، فقد بلغ السيل الزبى!!