مناطحة الثيران.. آلام وآمال

 

محمد بن سعيد الرزيقي

قبل الولوج في لب الموضوع، أود توضيح أن "مناطحة الثيران" أو كما يسميها البعض مصارعة الثيران- وعلى حسب وجهة نظري- لا ترقى بأن تكون ظاهرة منتشرة في بلادنا، وإنما هي عادة تمارس في بعض المناطق منه، كما أرجو أن لا يُحمل حديثي في هذا المقال على أن  شعب بلادنا لا يرحم  ولا يرفق بالحيوانات، أو أنه يعذب الحيوانات؛ بل بالعكس فشعبنا في هذا البلد العزيز جُبل على الرحمة والعطف حتى على الحيوانات، لكن مدار حديثي عن "مناطحة الثيران" وذلك من باب إنصافها، وتبين الحق في هذه القضية للقارئ الكريم؛ بتوضيح بعض حقوق هذه الحيوانات في الإسلام والقانون.

وقد وصلتني قبل أيام معدودات عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورة لأحد الثيران وهو طريح على الأرض؛ يبدو إنه مات متأثرا بجراحه؛ حيث إن آثار الكدمات والضربات التي تلقاها من الثور المناوئ له- إبان التحريش الذي جرى لهذه الثيران في إحدى حلبات المصارعة-ـ بادية على وجهه، وقرنيه المدميين.

لقد كانت هيئة الثور تُدمي القلب، وتُرقرق الدموع في محاجرها، وتُثير عاطفة الرحمة عليه؛ فلسان  حاله يقول: بأي ذنب قُتلت!!، فلم يقترف ذنبا حتى يُقتل شر قتله، ولم يكن لأحد عليه ثأرا فينتقم منه؛ حتى يخمد النار الثائرة في صدره، لم يكن  شيئا من كل ذلك، وإنما جُر المسكين جرا إلى حلبة الموت، وميدان الآلام والجراح ، ثم تسبب له من تسبب؛ فحرشه على الثور الآخر حتى بدأت المعركة بينهما، وحمى وطيسها، ثم استعرت شيئا فشيئا حتى تردى قتيلا، وقد حدث هذا أمام مرأى من أصحابها المتلذذين بما يحدث، وأمام نواظر عيون الجماهير التي ما فتئت تصفق وتشجع مستمتعة بما يجري، بينما الثوران لو كانا ينطقان لشكيا صنيعهم ذاك إلى الله، وإلى من ينصفهما من قضاة البشر، وذلك لما يحسان به من ألم جسدي، وتعب وإرهاق، والذي يؤدي في نهايته إلى احتضارهما وموتهما أو يعودان إلى مربضيهما بدمائهما وآلامهما المبرحة.

أيها العقلاء، لقد شكى جمل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم، صاحبه الذي كان يجيعه ويتعبه في العمل دون أن يأخذ قسطًا من الراحة، والقصة أن الجمل حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه فسكت، فقال: «من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، قال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه» أي تتعبه باستمرار العمل عليه (رواه أبوداود في السنن، ج4، ص 207، رقم الحديث:2550). يدل الحديث الشريف على أن الحيوانات تشعر بما يصيبها من جوع وتعب، وتحس بالتعذيب والآلام الذي تتعرض له، ولذلك نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- من التحريش بين الحيوانات لما يسببه هذا الفعل من ألم جسدي؛ فعن ابن عباس قال: « نهى رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمــ عن التحريش بين البهائم» (رواه أبو داود في السنن، ج4، ص 209).

وقد سُئل سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي- حفظه الله تعالى- عن حكم عادة مناطحة الثيران فأجاب قائلا: "هي عادة من أسوأ العادات، وقد قيل إنها مما ورثه الناس من قوم لوط، وكفى بذلك خسة، وكفى بذلك دناءة، يجب على الإنسان العاقل أن يترفع عنها؛ إذ ما هي الفائدة من التحريش بين الحيوانات، لا أعني بالمناطحة بين الثيران فقط؛ بل كل تحريش بين الحيوانات...". واختتم سماحته الإجابة عن هذا السؤال بقوله: "يجب على كل من تولى مسؤولية وكان بإمكانه أن ينهى عن هذا الأمر، عليه أن يقف في سبيل ذلك وينهى عنه".

واحتوى قانون الرفق بالحيوان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (21/ 2017) ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (255/ 2020)  على مواد وبنود تصب جميعها في حماية الحيوانات، وتنظم العلاقة بينها وأصحابها؛ حيث جاءت بنوده متوافقة إلى ما دعت إليه الشريعة الإسلامية من ضرورة الرحمة بهذه الحيوانات والرفق بها؛ وقد نصت المادة (3) الثالثة من الباب الثاني من اللائحة المذكورة  على أنه: يقع  صاحب الحيوان تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها إذا قام بأي من الأعمال الآتية، وقد ذكر من ضمنها البند رقم (4) الذي نص على (استخدام الحيوانات بصورة منافية لطبيعتها في أداء العروض الفنية أو الترفيهية كحلبات المصارعة والسيرك)؛ لكن مما يؤسف له أن هذا البند لم يتم تطبيقه على أرض الواقع حتى الآن؛ رغم صدوره  منذ ما يقرب من سنتين؛ حيث لا تزال مناطحة الثيران تقام في حلبات المصارعة.

أيها العقلاء.. نحن أمة مسلمة وديننا دين الإسلام، دين الرحمة؛ فقد جاءت تشريعاته منظمة للعلاقة بين الإنسان والكائنات الحية الأخرى، ومبينة لحقوق الحيوانات التي جعلها الله تعالى مسخرة لنا، ومنقادة من غير حول لها ولا قوة، وقد ملكنا الله زمام أمرها، لننتفع بها لا لنهدرها ونهلكها، لنرحمها لا لنعذبها، لنريحها إذا تعبت لا لنكلفها ما لا تطيق، لنطعمها لا لنجوعها، لنسقيها لا لنعطشها،  لنسلك بها مسالك الخير لا لنحرش بينها، كل ذلك منهي عنه في شريعة الإسلام الخالدة، حيث إن الإسلام ينظر  إلى هذه الحيوانات على أنها مخلوقات تسبح الله بحمده، وأنها تحس بالألم وما يقع عليها من تعذيب، وتشعر بالجوع والعطش والتعب، فهي في هذه الناحية مثل الإنسان غير إنها مسلوبة العقل فلا تعقل ولا تدرك ما يسرها ولا ما يضرها.

وختامًا.. يجب على الناس أن يتقوا الله تعالى في هذه البهائم التي لا تملك من أمرها شيئا، وأن يرعوها حق رعايتها، وأن يحسنوا إليها، وأن لا يسلبوها حقوقها التي منحها إياها الإسلام والقانون، والمأمول من وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه تطبيق البند المذكور أعلاه؛ لتنعم مثل هذه الكائنات بالأمن والسلام في بلد السلام.

تعليق عبر الفيس بوك