ثقافة الادخار ونتائج توقف الجوائز بالمصارف المحلية

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

يتَّفق الكثير من النَّاس على أنَّ عملية "الادخار" تحتاج إلى العمل بثقافة مُعينة هدفها الحفاظ على بعض المال للاستفادة منه في الحياة مُستقبلًا، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال قيام رب البيت سواء الرجل أو المرأة بتبني هذه الثقافة قبل غيرهم، وتلقينها للأبناء والصغار في مرحلة مُبكرة من عُمرهم، وتعليمهم ضرورة مُراعاة الحد الأدنى من الجانب الاستهلاكي في حياة الأسرة، وعدم التبذير والإسراف، والعمل على قدر الإمكان بالتقليل من الكماليات التي يُمكن الاستغناء عنها في الحياة.

وهناك العديد من طرق الادخار لدفع الصغار نحو تبني هذا المفهوم، إلا أنَّه من المهم أيضًا ألا ينسى النَّاس طريقة الادخار الشائعة أيضاً لدى الكثير من كبار السن العاملين في المؤسسات وذلك من خلال تكوين "جمعيات الادخار الإقراضية" التي تشكل اليوم إحدى الوسائل الناجعة بين العديد من الأشخاص الذين يبحثون عن الحلول، وتلك الأسر المحتاجة إلى المال سواء من قبل الرجال أو النساء العاملين في المؤسسات، بالرغم من أنَّ هناك احتمالات من أن تتعرض هذه الجمعيات أحيانًا إلى المشاكل التي قد تنشأ عن بعض الظروف، مثل تخلي البعض عن الدفع في الوقت المحدد بسبب المرض أو السجن أو وفاة أحد أعضاء الجمعية أوغيرها من الأسباب الأخرى.

والمجتمع العُماني له تجربة في هذا الشأن؛ حيث شهد في فترة سابقة تكوين هذه الجمعيات، إلا أنَّ بعضها تعرضت لمشاكل مادية ما زالت قضايا بعضها عالقة في المحاكم؛ نتيجة للعدد الكبير الذي انضم لهذه الجمعيات في فترة ما، دون أن يكون لها وعاء قانوني، وغابت عنها الالتزامات القانونية والخطية من الأطراف المشاركة تجاه الدفع الشهري لها، إلا أنَّ مثل هذه الجمعيات ما زالت قائمة بين بعض المجاميع الصغيرة التي تعمل في إطار مؤسسي خاص في عُمان وكثير من الدول العربية، وعلى شكل عدد محدود ومعروف من الأشخاص فيما بينهم، وهي ناجحة في عملها، وتشكّل اليوم واحدة من الوسائل الناجعة للادخار لدى هؤلاء الأفراد.  

واليوم.. يُؤكد الكل على أنَّ الأسر الخليجية والعربية عامة عليها تبنّي ثقافة الادخار في حياتهم بسبب الظروف التي تمر بها الدول والحكومات، بالرغم من تحسن أسعار النفط العالمية، فيما يؤكد العديد من الدراسات والأبحاث أنَّ هذه المشاكل لا تنحصر فقط في عدم الادخار؛ بل وأيضًا الاعتماد على الاقتراض من المؤسسات المصرفية والمالية والاعتماد على البطاقات الائتمانية. ففي السعودية على سبيل المثال، تبيّن أن هناك حوالي 10% فقط من الشباب يمتلك ثقافة الادخار، وأكثر من 30% لا يملكون الحس الخاص بالسيطرة على المصروفات وفق ما طرحه الأستاذ إبراهيم محمد باداود في مقال بعنوان الاقتراض من أجل الرفاهية.

ومن خلال واقع الحياة، نجد أنه كلما كان دخل الفرد من عمله اليومي مرتفعًا، فإن قدرته على الادخار تكون أكبر، الأمر الذي يتطلب ادخار ما لديه من المبالغ الزائدة سواء على شكل وديعة لدى المصارف أو الاستثمار في القنوات التي تعود عليه بعائد مادي من خلال مُمارسته لنوع مُعين من التجارة أو الاستثمار.

فعدم الوعي بثقافة الادخار والإفراط في الاستهلاك تعد من أهم القضايا التي يجب أن تلتفت إليها كل أسرة، فيما هناك العديد من الأشخاص الذين ما زالوا يلجأون للاقتراض سواء من خلال المصارف أو الاستدانة أو رهن الشيكات، فيما نرى أنَّ بعض هذه القروض تُصرف أحياناً في قضايا وبنود وأمور غير أساسية أو ضرورية أو عاجلة، بل هي في كثير من الأحيان تأتي من أجل أمور التَّفاخر أو الترفيه.

وهناك الكثير من الدول والشعوب نجحت في تثقيف مواطنيها بأهمية الادخار منذ الصغر، ومن ضمنها الحكومة اليابانية، حيث إنَّ تجربة اليابانيين كبيرة في عملية الادخار باعتبارهم من الشعوب التي تبنوا هذا الأسلوب بغرض الاستفادة من المبالغ المدخرة سواء في عمليات التنمية الاقتصادية أو في الأمور الترفيهية أو السياحية. وهذا ما جعل اليابان واحدة من أكثر الدول الدائنة بمدخراتها الهائلة التي استطاعت جمعها من عمليات تصدير منتجاتها، ومن ادخار ربات بيوتها اللاتي يحافظن على تكوين المصادر المالية للحياة. وقد اشتهرت اليابان لمدة طويلة أنها صاحبة أعلى معدلات الادخار بين البلدان الصناعية؛ حيث كانت الأسر اليابانية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين تدخر نحو 15% من دخلها السنوي بعد خصم الضرائب، إلّا أن معدل الادخار تراجع تدريجيًا منذ الثمانينيات، فما يزال عند مستوى 10% في التسعينيات. 

وهذا ما يجب العمل به في المنطقة التي تعتمد كثيرًا على الصرف من خلال استخدام البطاقات الائتمانية التي يزداد عددها يوميًا، وبالتالي تؤدي إلى دخول الأشخاص في المديونيات التي لا تُعطي لهم الفرصة بالتوجه نحو الادخار. وعلى المستوى المحلي لابُد من إعادة التفكير في كيفية جذب المدخرات المالية للعُمانيين ورفع نسب الفوائد لها في المصارف العمانية بعد أن توقفت برامج الجوائز المالية، وبحيث لا تتوجه هذه المبالغ إلى الدول الأخرى.

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في مارس عام 2017، تبيّن أن 56% من السكان العمانيين لديهم حسابات أو ودائع في أحد المصارف العاملة في السلطنة، منهم 68% من العمانيين مقابل 46% من الوافدين. كما تبين أن 85% من الأفراد يعتقدون أنَّ الفوز بالجوائز البنكية يمكن أن يحدث تغييرًا كبيرا في حياة الفرد، فيما يعتقد 83% منهم أن الجوائز البنكية تشجع على الادخار، وتعزز ولاء الزبائن لبنوكهم، ويرى 81% منهم أنها مجال جيد للاستثمار.

فهل يُمكن إجراء دراسات مماثلة عن الوضع الحالي بعد توقف جوائز البنوك والمصارف؟!