القمر الذي لم يُكتشف!

 

د. سالم بن عبدالله حواس العامري

رغم التَّطور الذي شهدته السلطنة على مر عقود النَّهضة، في مختلف أنحاء البلاد، ومنها مُحافظة ظفار، وعلى صعيد كافة المجالات ومنها السياحية وغيرها، إلا أنه ما زال هناك من الأماكن والمناطق التي لم تكتشف بعد وبالتحديد "سلسلة جبال القمر" في المنطقة الغربية من محافظة ظفار؛ وذلك بسبب صعوبة الوصول إليها أوعدم وجود طرق سالكة أو صالحة للوصول إلى هذه الأماكن.

وتقع هذه السلسلة الجبلية ابتداءً من عقبة "أقيشان" في المغسيل شرقًا إلى حدود "ضلكوت" غربًا ويبلغ ارتفاعها أكثر من 1200 متر وطولها ما يقارب 150 كيلومترًا، وهي سلسلة جبلية مُرتفعة مُترامية على طول بحر العرب وتضم أماكن وقرى غنية بمقومات سياحية واعدة مثل: الفزايح ورأس ساجر والحوطة وخرفوت، وغيرها من الأماكن التي لا يُمكن الوصول إليها إلا عن طريق البحر أو سيرا على الأقدام.

ولعلَّ أبرز هذه المواقع هو "رأس ساجر" أو كما يُطلق عليه محليًا "إيراش أسجر"، ويعد واحدًا من أعلى الرؤوس والقمم الجبلية في سلسلة جبل القمر ويُشاهد من مسافات بعيدة في البحر ويستعين به ربابنة البحار لتحديد مواقعهم ووجهتهم في الأسفار. وقد ذكره الفرنسي جاك بيلين في خارطته التي رسمها عام 1740 التي تُظهر بعض الخطوط الساحلية والموانئ على سواحل الجزيرة العربية والبحر الأحمر.. وليس ببعيد منه تطل مرتفعات "ذنت" بمنطقة شعت المطلة على بحر العرب والتي من خلالها يمكن رؤية السحاب وهو يلف الجبال الشاهقة ويُعانق خضرة جبال القمر، ولهذا الموقع إطلالة فريدة تستقطب الزوار انتشر مؤخرًا في مواقع التواصل الاجتماعي صور له تُعد من أجمل المشاهد والمناظر التي التقطتها عدسات المصورين في السلطنة، وكذلك عيون المياه التي تتدفق في مختلف أرجائها، مثل عين "نكبت" وغيرها من العيون التي تشكل من خلالها الشلالات في موسم الخريف.

وتُعد منطقة "الفزايح" كذلك من أبرز هذه المناطق السياحية الشاطئية وتتميز بموقعها الفريد، حيث الخلجان المائية والرمال الناعمة التي تقذفها الأمواج على طول الساحل وتنتشر أشجار اللبان وبعض الأشجار العطرية في أرجاء المكان الذي تزينه الصخور الرسوبية والمنحوتات الصخرية مشكلة لوحات وتصاميم مختلفة ومتنوعة تشد انتباه الزائرين وتبهر الناظرين.

وعلى امتداد هذه المُنحدرات والأودية والخلجان المائية والشواطئ تطل منطقة" الحوطة" الساحلية أو كما تُعرف محليًا "حوطة بن عثمان" نسبةً إلى ضريح بن عثمان لتكسر هياج الأمواج وهبوب الزوابع على شواطئها الرملية وصخورها العنيدة، وتُعد من أجمل المناطق جذبًا للزوار نظرًا لما تتمتع به من مقومات سياحية كالعيون المائية والشلالات الجميلة مثل عين "أعدي" الجارية للبحر والتي يتدفق من أعلاها شلالات "سطحات "وعين "روب". وتتميز منطقة الحوطة بجمال شواطئها وخلجانها الزاخرة بمختلف أنواع الأسماك والحيتان والأحياء الفطرية المتنوعة بالإضافة إلى المروج الخضراء والنباتات الطبيعية وأنواع الحيوانات والطيور المختلفة، وبعض المعالم الأثرية والتاريخية.

كما تُعد منطقة "خرفوت" أو كما يطلق عليها بعض المؤرخين من طائفة المورمن "أرض الفضل" من أبرز هذه المواقع وأكثرها شهرةً وهي تقع بين ولايتي "رخيوت" و"ضلكوت" وقد تمَّ مؤخرًا إصدار مرسوم سلطاني رقم (58 /2021) بإنشاء محمية خور خرفوت الأثري في محافظة ظفار، وتبلغ مساحة المحمية (143,4 كم2) على ساحل بحر العرب، وقد ورد ذكرها في خارطة "الإدريسي" عام "1154" التي رسمها لملك صقلية "روجر الثاني" من ضمن المناطق والمعالم التاريخية القديمة التي ذكرها في خارطته، وتتميز بشاطئها الواسع المُمتد طولًا وعرضًا على جانبيها وتعتبر محمية للنمر العربي، وفيها عين ماء "غيران" بالإضافة إلى الخور الممتد إلى الوادي المحاذي للساحل؛ إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المنطقة التي يأتي إليها المستكشفون من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لزيارتها إلا مشيًا على الأقدام أو عن طريق البحر، ويُعتقد أن الخور استُخدِم كميناء قديم لتصدير اللبان، كما توجد عدد من الشواهد والآثار التي ربما تحكي الدور التاريخي والثقافي لهذه المنطقة التي لم يتم التنقيب فيها أو دراستها بعد.. كما توجد العديد من الأماكن الأخرى على امتداد هذه السلسلة الجبلية والمحاذية لساحل بحر العرب مثل "صفقوت" و"دات" وغيرها.

وتُعد هذه المواقع المُميزة شاهدة على حضارة منطقة ضاربة جذورها العريقة في أعماق التاريخ، نظرًا لما تمتلكه من مقومات تاريخية وحضارية، ومقومات طبيعية متنوعة ذات مناظر جبلية رائعة تكسوها غابة خضراء وعيون مياه جارية وشواطئ جاذبة تُعد بمثابة مواقع مثالية لإقامة منتجعات سياحية وشاليهات لاستقبال الأفواج السياحة الشتوية من مختلف دول العالم، فضلا عن مرتادي خريف ظفار في موسم الخريف مما يُسهم في رفع المستوى المعيشي للسكان ويُعزز التنوع الاقتصادي للبلاد.

ولعل السبيل الوحيد لاكتشاف هذا "القمر" هو فتح الطريق الساحلي المغسيل - رخيوت - ضلكوت الذي كثُر المطالبة به من قبل الأهالي في المنطقة الغربية وسكان المحافظة بشكل عام والذي رأى تجاوبًا وقبولًا من قبل اللجان المحلية والمسؤولين في الدولة من حيث الأهمية الاستراتيجية لكنه لا يزال حبيس الأمنيات ولم ير النور، ويأمل المواطنون أن يتم تنفيذ هذا المشروع بأسرع ما يمكن لاكتشاف مكنونات "جبال القمر" لما لها من أهمية اقتصادية وسياحية ستسهم بلا شك في تسريع عجلة التنمية بما يتوافق مع تحقيق رؤية عُمان "2040".

تعليق عبر الفيس بوك