التبرع بالدماء

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

شهدت العديد من ولايات السلطنة حملات التبرع بالدم بمُناسبة ذكرى عاشوراء الإمام الحسين بن علي، وذلك بالتنسيق مع دائرة خدمات بنوك الدم التابعة للمُديرية العامة للرعاية الطبية التخصصية بوزارة الصحة، وشهدت المآتم الحسينية إقبالا كبيرا من المُتبرعين الذين ضحوا بدمائهم في سبيل إنقاذ المرضى الذين هم بحاجة ماسة إلى الدم الذي لا يُمكن تصنيعه والصانع الوحيد له هو جسد الإنسان بقدرة الله تعالى.

لقد تبرَّع أبناء المجتمع ذكوراً وإناثا بدمائهم باسم الإمام الحسين عليه السلام الذي ضحى من أجل الآخرين ليعيشوا حياة هانئة سعيدة، وكان الإمام الحسين قدوتهم في التضحية بدمه وأولاده وأهل بيته وصحبه، بل وكل ما يملكه من هذه الدنيا في سبيل رضا الله تعالى، فما أعظمها من تضحية تجسد لنا معاني الإيثار والإخلاص والوفاء لله تعالى في خدمة الوطن والمُواطنين، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: الآية9]، وقال أمير المؤمنين وسيد العارفين وإمام المُتقين الإمام علي بن أبي طالب: (الْإِيثَارُ أَعْلَى الْمَكَارِمِ) [غرر الحكم]، وقال: (مَنْ آثَرَ عَلَى نَفْسِهِ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْفَضِيلَةِ) [غرر الحكم].

إنَّ حملات الدم بدأت في محافظة الباطنة قبل 25 عامًا، وكان أول من أسس لهذه المُبادرة الطيبة والغالية على قلوبنا هو أحد علماء ولاية صحار، العالم الجليل والشاعر الكبير فضيلة الشيخ سليمان الجابري رحمه الله، ومنذ ذلك الوقت وحملات التبرع بالدم مستمرة لم تنقطع في المآتم الحسينية، فقد كانت البداية في ولاية صحار وتوسعت لتشمل ولاية لوى وولاية صحم وولاية الخابورة، وفي هذا العام كانت إحصائيات التبرع بالدم التي شارك فيها المسلمون بمختلف أطيافهم من المواطنين والمقيمين إيجابية جدا.

ومن خلال تواصلي مع المعنيين بحملات التبرع بالدم في محافظة الباطنة حصلت على إحصائية التبرع بالدم للعشرة الأولى فقط من شهر محرم الحرام لهذا العام 1444هـ من مستشفى صحار المركزي، فقد شاركت 7 مآتم حسينية في خدمة المرضى من المواطنين والمقيمين وبلغ عدد المتبرعين في محافظة الباطنة لهذا العام 340 متبرعًا من الرجال والنساء.

ولا يفوتني أن أذكر أنَّ هناك حملة أخرى للتبرع بالدم باسم الإمام الحسين في مسقط والتي تُقام في العشر الأوائل من أيام شهر محرم كل عام، والتي بلغ عدد المتبرعين بالدم فيها 220 متبرعًا، وكان ذلك في قاعة الزهراء بولاية مطرح ليوم 9 و10 محرم 1444هـ. وهذا يعني أنَّ مجموع المُتبرعين بدمائهم في سبيل خدمة الوطن العظيم، ومن خلال المآتم الحسينية في شمال الباطنة وولاية مطرح بلغ 560 مُتبرعًا بالدم خلال أيام معدودة فقط، كما إن هناك  الكثيرين ممن لم تنطبق عليهم شروط التبرع بالدم ممن سجلوا ولكن لم يوفقوا للتبرع لأسباب طبية، فكان الجميع يسعى للتبرع ليُصبح من الفاعلين والمشاركين في خدمة الوطن والمواطنين.

إنَّ حملات التبرع بالدم هي حملات إنسانية يسعى لتحقيقها القائمون على المآتم الحسينية في كل عام في شهر محرم بمناسبة استشهاد سبط رسول الله وريحانته من الدنيا الإمام الحسين، والهدف من تلك الحملات للتبرع بالدم تعريف المجتمع وتوعيته بأهمية الإحسان للآخرين، فعندما يُقدم الإنسان للآخرين ما يزيد عن حاجته فهو حتمًا من الذين يسجلهم الله تعالى في قائمة المُحسنين الأبرار الذين قال الله تعالى فيهم: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} والعفو هنا يعني الزيادة.

إنَّ جسم الإنسان قادر على إنتاج 250 مليون من كريات الدم الحمراء خلال 24 ساعة، وأكثر المرضى في المستشفيات بحاجة ماسة إلى كريات الدم الحمراء بشكل عاجل، لذا كان الأجداد سابقاً يموتون في حالات كثيرة مثل الإصابات البليغة كالحوادث المختلفة وغيرها، لأنهم لا يملكون العلم للحصول على الدم وكيفية نقله من جسد إلى آخر. أما اليوم وبحمد الله تعالى ومع تقدم وتطور العلم والحضارة الإنسانية في الطب فقد صار من المُمكن وبكل سهولة ويُسر نقل الدم من جسد إلى آخر، بل وأصبح الإنسان المحتاج للدم يستطيع الحصول عليه بسهولة ليعيش حياة جديدة مع من يحب من أهله وذويه وأبناء مجتمعه، ولكن كل ذلك يحتاج إلى الوعي المجتمعي بأهمية التبرع بالدم وهذا ما تقوم به المآتم الحسينية في كل عام من خلال حث المجتمع على أهمية التَّبرع بالدم في أيام عاشوراء الإمام الحسين، واستغلال المنابر الهادفة لطرح المحاضرات التربوية والأخلاقية والاجتماعية بهدف إنتاج مجتمع عارف بأهمية الإيثار والتضحية لإنقاذ المرضى المحتاجين للدم ورسم الابتسامة على وجوههم ومنحهم حياة أفضل وأجمل وأحلى فما أجمله من دور فاعل تقوم به المآتم الحسينية في خدمة عُمان الخير والحب والأمان.

أخيرًا.. نسأل الله تعالى أن يحفظ عُمان ويديم علينا جميعًا نعمة الأمن والأمان ويجعلنا إخوة متحابين متحدين متراصين تحت راية جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-.