عُمان.. ماضٍ تليد وحاضر مجيد

د. أحمد العمري

في هذا الزمن يلهث الجميع في البحث عن جذوره وتاريخه وماضيه سواءً على مستوى الأفراد أو العشائر أو القبائل؛ بل وحتى الدول، وعن الدول هنا نقف قليلا، فقد رافق هذا البحث الشرس بعض التعدي والمغالطات على التاريخ وقرينته الجغرافيا، ولكن ولله الحمد عندما تُذكر سلطنة عمان وبكل فخر ينحني التاريخ وتقدم الجغرافيا الولاء؛ فالحقيقة ليس لها سوى وجه واحد لا ثاني له!

وإذا ما أردنا أن نعرج على تاريخ سلطنة عمان، فإننا نحتاج إلى مجلدٍ؛ بل إلى موسوعة وليس مقال كهذا، ومن يريد أن يبحث؛ فالأمر موثق في الموسوعة العمانية بحمدالله وفضله ونباهة سلطانها الراحل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.

إن القلاع والحصون والآثار منذ آلاف السنين شواهد وشواخص تتحدث وتنطق لمن يرى، كما إن الرواد العظام والشخصيات الخالدة نذكر هنا منها بعض الأسماء؛ فقوائمها تطول، ولكن على سبيل المثال وليس الحصر، فالتاريخ ينطق بالذهب أسماء ماجدة منهم: مازن بن غضوبة، والمهلب بن أبي صفرة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحمد بن ماجد، وأحمد بن سعيد البوسعيدي، والكثير الكثير غيرهم، في جميع المجالات المختلفة في علوم الدين واللغة والفصاحة والخطابة والشعر وعلم الاجتماع والعلوم الإنسانية وعلوم البحار وغيرها.

إنني إذ أكتب هذه السطور المتواضعة تقفز إلى ذهني أغنية الفنان العماني الراحل سالم علي سعيد- رحمه الله- التي كتبها شاعر كويتي ولحنها ملحن كويتي وتغنت أمام القادة المؤسسين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في أول اجتماع لهم بدولة الكويت الشقيقة والتي يقول مطلعها:

(لمن السفائن والعباب وراءها مثل الغبار..

ومن الرجال المبحرون بكل عزم واقتدار...

العابرون جوانب الدنيا بأشرعة الصواري...

هذا ابن ماجدا والعمانيون أسياد البحار)

وفي حاضرنا ومنذ عام 1970 ونحن في نهضة تنموية شاملة عمّت البلاد والعباد، وأسست لكل مناحي الحياة، ورسخت جميع المبادئ والقيم والأعراف العمانية المتأصلة والتي قاد انطلاقتها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد، والذي قال: "إن الذي تحقق على هذه الأرض الطيبة أصدق وأروع من أي كلام يقال".

وها نحن في عهد النهضة الهيثمية المتجددة التي يقودها بكل عزم وتصميم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ربان رؤية "عمان 2040"، وقد بدأنا في تجديد المرحلة الثانية من النهضة العمانية الخالدة وفق أسس ومعايير لا تحيد عنها، وأهمها: العمل الموسسي الواقعي، واستقلال وعدالة القضاء، والحفاظ على الموروث والتاريخ والتقاليد والأعراف، والبناء على الأساس الراسخة الصلبة القوية، والانفتاح على الاستثمار وتهيئة البيئة المناسبة والمحفزة له، وتنويع مصادر الدخل وتنميتها وتسهيل الإجراءات، والاهتمام بالشباب وتنمية مهاراتهم والتشجيع الدائم والمستمر لجميع مجالات عطائهم وإبداعاتهم، والحفاظ على المكونات الاجتماعية، والاهتمام بالفرد وغرس وتنمية الهوية الوطنية والحفاظ عليها، والرقابة المستمرة على أداء المؤسسات الحكومية ومتابعة أعمالها، وتنمية المحافظات ومنحها الصلاحيات الواسعة للقيام بواجبها على الوجه الأكمل.

لقد ترددت عبارة قبل سنوات أنه سيأتي عام يتمنى فيه كل واحد أن يكون عمانيًا، وتلقائيًا ذهبت الأفكار كلها إلى الرفاه والثراء والعيش الرغد فقط، وقليل جدًا يكاد يُحصى على الأصابع ممن فكّر في الحريات والعزة والكرامة ومكانة الفرد العماني.. إننا في سلطنة عمان لسنا أغنياء ولسنا فقراء، ولسنا مترفين ولسنا معدمين، لكن نملك كل العزة والكرامة والفخر والانتماء والولاء.

وحال لساننا جميعًا يقول بنبض واحد من مسندم إلى ظفار وبصوت يسمعه كل العالم "الله.. الوطن... السلطان"..

حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها.