التنمية عبر بوابة السياحة

حاتم الطائي

◄ منجزات التنمية تتجلى في ربوع الوطن كشواهد مضيئة على مر العصور

◄ عطايا ربّانية عديدة يمكن توظيفها للانطلاق بسياحتنا نحو العالمية

◄ فرص نمو واعدة بالقطاع السياحي بفضل الإجراءات والتسهيلات المقدمة

ما زالتْ قضية التنمية تحتل صدارة الأولويات لدى مُختلف الحكومات والمُنظمات حول العالم، لما تُسهم به من دورٍ بناءٍ في تحسين معيشة المواطنين والارتقاء بمستوى الخدمات، فضلًا عن دورها في تعزيز مكانة الدول على خارطة النمو والازدهار.

والحديث عن التنمية بشتى أنواعها في وطننا الغالي عُمان، ثريٌ، ويكشف ما حققه الإنسان العُماني من مُنجزات على مر عقود مضت، ويؤكد بالبرهان والأدلة أنَّ النهضة العمانية الحديثة والمتجددة لم تتوقف ليومٍ واحدٍ؛ بل ظلّت في مصفوفة مُتكاملة مرتبطة بسلاسل التنمية في جميع القطاعات. والتنمية بمفهومها العام تجلّت في أزهى صورها خلال مراحل سابقة من مسيرتنا الناهضة، فأعداد المدارس والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والمراكز الصحية والأندية الرياضية والمراكز الترفيهية والتجارية، مرورًا بالطرق المتطوّرة وخطوط الكهرباء التي تُغذي كل شبر في أرض الوطن، وحتى خطوط المياه والصرف الصحي، وغيرها الكثير، كلها شواهد مُضيئة على ما سجلته السواعد الوطنية المخلصة من مُنجزات تستفيد منها الأجيال.

وقبل يومين وفي صلالة حاضرة الجنوب، تلك البقعة الساحرة من تراب وطني الغالي، عقدنا لأوَّل مرة المنتدى الخليجي للتنمية المُستدامة بمشاركة عُمانية وخليجية متميزة؛ حيث انطلقت مناقشات مستفيضة وخرجت توصيات طموحة في إطار الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة. ولقد لفت انتباهي خلال فترة مكوثي في صلالة لحضور فعاليات المُنتدى، حجم التطور الذي شهدته مناشط وفعاليات موسم خريف ظفار السياحي، وما تزامن معه من تطوير عقاري شمل المنشآت الفندقية والمراكز الترفيهية والمجمعات التجارية، آخرها أحد أشهر المراكز التجارية والترفيهية على مستوى السلطنة. ويقودنا ذلك للتأكيد على ما تزخر به عُمان- وظفار بصفة خاصة- من ميزات نوعية قادرة على مُنافسة الوجهات السياحية البارزة، ليس فقط في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل في العالم بأسره.

ولا ريب أنَّ القطاع السياحي العُماني يحظى بفرص نمو واعدة، خاصة في ظل الإجراءات والتسهيلات الكبيرة التي تُقدمها الجهات المختصة بين الحين والآخر، وسهولة الحصول على تأشيرة سياحة واستقرار أسعار الفنادق نسبيًا، علاوة على جودة الطرق المؤدية إلى مواقع الجذب السياحي. ومن هنا يُمكن القول بأنَّ القطاع السياحي يمثل أحد أهم بوابات التنمية المستدامة، بفضل ما يوفره هذا القطاع من فرص وظيفية، وخاصة للشباب، وما يتيحه من إمكانيات واعدة لنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في الخدمات المساندة، مثل الإمداد والتموين، والشحن والتفريغ، وإعداد الوجبات، وخدمات النقل واللوجستيات، علاوة على الخدمات الترفيهية والإعلامية والإعلانية. وهنا يُمكننا تلمس حلقة الربط بين التنمية والسياحة، فكلاهما يستهدفان الارتقاء بمستوى الخدمات المُقدمة، وتوفير المعيشة الكريمة للجميع، وضمان استدامة البيئة والحفاظ عليها من الملوثات، علاوة على تعزيز إيرادات الدولة.

وإذا ما نظرنا إلى الدور المشترك بين السياحة والتنمية، فإنَّ المسار نحو تجويد الخدمات السياحية والارتقاء بهذا القطاع الثري، هو ذات المسار التنموي الذي تسعى إليه الحكومة، وخاصة وفق أولويات ومستهدفات الرؤية المستقبلية "عُمان 2040". والمقومات التي نأمل الاستفادة منها وتطويرها يعلمها القاصي والداني، فاعتدال درجات الحرارة خلال موسم "خريف ظفار" في حدود 23 درجة مئوية يمكن أن يُمثل نقطة جذب سياحي لا مثيل لها في منطقة تسجل فيها درجات الحرارة ما يزيد عن 50 درجة مئوية في معظم شهور الصيف. والرذاذ المستمر والمطر الذي لا يتوقف خلال خريف ظفار، يُنعش الروح قبل الجسد، ويتلاقى ذلك مع ابتسامة على مُحيا أهل ظفار الأطياب، المُرحبين بضيوفهم على طريقتهم الخاصة، من مأكولات شهية وأطعمة غنية بروح الطبيعة البكر. وبجانب ذلك، توّفِر الفعاليات الفنية والحفلات الغنائية متسعًا للعائلات والشباب لقضاء أسعد الأوقات، بين أعذب الأصوات الغنائية وأرقى الألحان الموسيقية، في أجواء آسرة، وفي مواقع متنوعة، وليس في مكان واحد كما كان سابقًا، ما يؤكد مستوى التطور الذي يشهده هذا الموسم السياحي، في مناطق الحافة والمغسيل وشلالات دربات المتدفقة والعيون الساحرة في مواقع عدة.

وكذلك الحال بالنسبة للسياحة في ولاية الجبل الأخضر، والتي تتيح للزائر أن يُعانق السحب البديعة وأن يرى الكون من ارتفاع يلامس 3000 متر فوق سطح البحر، مستمتعًا بطقس عليل، تُداعب برودته أجساد الزائرين، وتأسر مناظره الخلابة عقولهم، بينما ينعمون بوجبات عُمانية أصيلة تمتزج مع أشهى المأكولات العالمية في المطاعم المنتشرة هناك، بشتى أصنافها وفئاتها. هذا إلى جانب السياحة الشتوية في أنحاء عُمان قاطبة؛ حيث درجات الحرارة بين 18 و20 درجة، ما يمثل ملاذًا رائعًا للقادمين من دول أوروبا وأمريكا والتي تشهد انخفاضًا حادًا في درجات الحرارة لما دون الصفر.

إنَّ العطايا الربانية من جمال الطبيعة الساحرة والتكوينات الجبلية والصخرية الفريدة، والماء المنهمر من السماء الذي يترك بصمته على كل بقعة يسقط عليها، والبحار الممتدة من أقصى الشمال إلى أبعد نقطة في الجنوب، بمياهها الفيروزية ودلافينها الضاحكة وخلجانها المتلألئة بضياء ما تحتضنه من شعاب مرجانية، وغيرها الكثير من المقومات السياحية، لتوفِّر الجذب السياحي المأمول، وتساعد في تحولنا لنكون وجهة سياحية رائدة في صدارة الوجهات العالمية.

وختامًا.. فإنَّ هذه التطلعات والأهداف الطموحة لن تتحقق سوى بإرادة خالصة، بِتنا نراها ماثلة أمامنا لدى المسؤولين عن هذا القطاع الواعد، وهم يعملون وفق خطط مدروسة تتماشى مع رؤية "عُمان 2040"، وتتوازى مع الجهود الأخرى المبذولة على الأصعدة كافة.. وليكن شعار عملنا خلال المرحلة المقبلة "عُمان.. الوجهة السياحية المستدامة".