أين وصلت حقوق الإنسان في الصين؟

 

تشو شيوان **

في كل مرة نتحدث فيها عن حقوق الإنسان في الصين يخرج لنا من يُشكك في هذا الأمر، وأنا لا ألوم أحداً في هذا الأمر فللأسف لقد نجحت الكثير من وسائل الإعلام في أن تخلق صورة نمطية عن الصين ووضع حقوق الإنسان بداخلها، ولكن هناك الكثير من الأمور التي يجهلها الأغلبية العظمى من الناس، وهناك وجهة نظر مُغايرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ ألا وهي أن نظرة الصين والصينيين لحقوق الإنسان والحريات مختلفة تمامًا عن وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.

وإذا أردت أن تقيس نسبة حقوق الإنسان في أي بلد مُعين، فيجب أن تدرسه من وجه نظر شعبه وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وطبيعتهم المجتمعية، لا أن تقارنه بشعوب ودول أخرى، وأيضًا يجب أن نتفق على أن لا نتفق على تحديد أو تعريف موحدٍ لحقوق الإنسان لدى الجميع، فنحن أمام قضية إنسانية أو تعريف مجتمعي قد يصعب دراسته وقياسه، ولهذا أردت في هذا المقال أن أعرفكم على وضع حقوق الإنسان في الصين، وكيف ننظر لهذا الأمر من وجهة نظر صينية.

لقد وصف هذا الأمر وهذه الإشكالية مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي لدى حضوره الدورة الـ46 للاجتماع رفيع المستوى لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث قال: «إنَّ حقوق الإنسان ليست براءة اختراع لعدد قليل من البلدان»، فمن حق كل دولة أن تضع معاييرها الخاصة لحقوق الإنسان بما يخدم مصالحها ومصالح شعوبها، وأن تضع أسسها وطريقتها لحقوق الإنسان بما يتناسب مع طبيعتها وطبيعة شعبها.

وبالرجوع للأرقام والحقائق فإنَّ الصين صاغت ونفذت ثلاث خطط عمل بشأن حقوق الإنسان منذ عام 2009، وخلال هذه الفترة تحسنت مستويات معيشة الشعب الصيني بشكل لافت وأمام مرى من الجميع، وتمت حماية حقوقه بشكل أفضل، وتم تحسين السياسات والإجراءات القانونية التي تحمي حقوق مجموعات معينة أوأقليات داخل الصين، وتم تعزيز الضمانات القانونية لحقوق الإنسان، وفقًا لخطط تتطور من فترة لفترة.

ترى الصين أن الحياة السعيدة أكبر حق من حقوق الإنسان للشعب، وعليه فقد قامت ببناء أكبر نظام للتعليم والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في العالم، مما يحمي حقوق الفئات المعينة ويحقق فوائد التنمية للجميع بشكل فعَّال ومناسب، وهذه وجهة نظر الصينيين والخبراء في هذا الشأن من داخل الصين، ودعونا نركز على ما قاله "لي جيون رو" نائب رئيس الجمعية الصينية لدراسات حقوق الإنسان: "إن أعظم ما يميز حقوق الإنسان في الصين أنها تتمحور حول الشعب الصيني، ويعد ضمان الحياة السعيدة للشعب الصيني أكبر حق من حقوق الإنسان"، ومن هذا التعريف نستطيع أن نفهم ولو جزء قليل من عقلية الصين تجاه حقوق الإنسان، ونحن كصينيين هدفنا الحياة السعيدة بعيدًا عن التعقيدات في تعريف حقوق الإنسان، فنحن نرى أن الحياة السعيدة هي أفضل ما يمكن تقديمه في هذا الملف.

عندما نقول حقوق الإنسان فيجب علينا أن نفصل ونفرق بينها وبين الحريات فهناك غلط مجتمعي شائع بين المفهومين، فحقوق الإنسان تتمثل بتوفير حياة كريمة يسودها العمل والفرص المشتركة للجميع، والصين قامت بأمور عديدة في هذا الجانب، وتقدمت كثيرًا في تعزيز مستويات الحياة للشعب الصيني، وتسخير كافة الفرص من أجل ضمان الاستقرار في حياته المعيشية، وقد أعلنت الصين عام 2020 القضاء على الفقر المدقع، الأمر الذي لا يعيد كتابة تاريخ تنمية حقوق الإنسان للصين فقط؛ بل يقدم أيضا مساهمات كبيرة في تنمية حقوق الإنسان للعالم، وقد استطاعت الصين إخراج ما بين 10- 13 مليون شخص من الفقر كل سنة، وانخفض عدد الفقراء من 98.99 مليون في نهاية عام 2012 إلى 5.51 مليون في نهاية عام 2019، وانخفض معدل الفقر من 10.2% إلى 0.6%.. وكل هذه المؤشرات تؤكد أن حقوق الإنسان على رأس أولويات الصين.

عندما نعود لبدايات تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ففي تلك الفترة كان هناك 5 تحديات تواجه ملف حقوق الإنسان ألا وهي: أولًا "الفقر"؛ حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين 27 دولارًا أمريكيًا فقط. وثانيًا "المرض"؛ إذ كان الصينيون يطلقون عليهم اسم "المرضى من شرق آسيا"؛ حيث كان متوسط العمر المتوقع للفرد يبلغ أقل من 35 عامًا، وهو واحد من أقل البلدان توقعًا في العالم في وقتها. وثالثًا "الجهل": كانت مدة التعليم للفرد أقل من عام واحد، وحوالي 90% من الصينيين أميين. ورابعًا "الفوضى": كانت الحروب الكبيرة والصغيرة مستمرة، والناس عاشوا دائما في حرب. وخامسًا "التفرقة": كان الشعب الصيني ليس لديه القيم المشتركة.

لكن اليوم تم القضاء على هذه المشكلات الخمسة، فقد أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ لسنوات عديدة. ونما متوسط العمر المتوقع إلى 76 عامًا، ووصل نصيب الفرد من التعليم إلى 11 عامًا، وهو ما يتجاوز المعدل العالمي، وبعد تأسيس الصين الجديدة تم إنشاء بيئة تنموية سلمية عاش فيها الناس وعملوا بسلام وحقق الشعب الصيني وحدة غير مسبوقة وشكل القيم الأساسية المشتركة فيما بينهم.

كل ما قد سبق قد يُغير فكرتك عن حقوق الإنسان ليس في الصين بل في أي مكان في العالم، فالهدف من حقوق الإنسان أساسًا أن تحافظ على حياة الناس وتحفظ كرامتهم وتعطيهم الحياة الكريمة وتحقق لهم السعادة الاجتماعية، وهذا ما فهمته الصين وطبقته على شعبها ولو زرت الصين ستجد كلامي منطقيًا بشكل أكبر فعملية التنمية داخل الصين تحقق إنجازات كبيرة جدًا، ومستويات المعيشة أصبحت تفوق بعض الدول المتقدمة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية.