ضرورة تفعيل قانون الوساطة العقارية

 

 

سالم البادي (أبو معن) *

ذكرنا في المقال السابق أنَّ المؤشرات والأوضاع الحالية في القطاع العقاري بالسلطنة تُبشر بسوق نشط وحركة تداولات عقارية، وهي في طور التعافي بعد مرحلة الركود التي مرَّت بسبب الأزمات المتلاحقة. وفي هذا المقال، سنتطرق إلى موضوع مهم جدًّا، وهو أحد العوامل التي ترتكز عليها عملية تنظيم سوق القطاع العقاري ألا وهو "قانون تنظيم الوساطة العقارية"، والقضاء على الوساطات العشوائية غير المنظمة وغير المرخصة.

إن قانون تنظيم الوساطة العقارية بالسلطنة بات أمرا مهما والحاجة ملحة لتفعيله وتطبيقه على أرض الميدان؛ وذلك للوصول إلى سوق تداولات ومعاملات عقارية متطورة وسهلة وسريعة وصحيحة، وتتسم بالشفافية والمصداقية والأمانة، بعيدا عن الفوضى والعشوائية، وخالية من الوسطاء والتجار غير المرخصين.

مهنة "الوساطة العقارية" كانت سابقًا وما زالت "مهنة لمن لا مهنة له"، بل كانت مهنة للجميع بالإمكان مزاولتها وممارستها من قبل أي شخص وفي أي وقت وفي أي مكان وبأي طريقة ووسيلة، سواء الموظفين أو غيرهم، حتى صدور القانون الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91/2010، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم أعمال الوساطة العقارية وتعديل أوضاع السوق وأوضاع الوسطاء وتفعيل الضوابط اللازمة لضبط السوق العقاري الذي عانى خلال الفترات الماضية من الآثار السلبية المتمثلة في التضخم والتلاعب بأسعار العقارات والتسبب في هبوط وارتفاع أسعار العقارات، والركود أحياناً، فضلاً عن الفوضى والعشوائية بسبب "الوسطاء والتجار غير المرخصين".

ويأتي نجاح تفعيل القانون أعلاه بالتعاون بين الدولة والمؤسسات والشركات والمكاتب العقارية المرخصة، وعند تفعيل هذا القانون بلا شك سيتم القضاء على هذه الفئة "الوسطاء غير المرخصين"، وسيُسهم في نشاط حركة السوق العقاري وحركة التداولات العقارية، وبلا شك سيلقى ردودًا إيجابية من قبل المهتمين بالقطاع والمستثمرين، خاصة المستثمرين الأجانب؛ لما سيحظى به من عملية تنظيم وتطوير وشفافية في الوساطة والتسويق العقاري.

إنَّ نشر ثقافة قانون الوساطة العقارية داخل المجتمع مهمة لكل الأطراف، وهي بحد ذاتها طريقة أو وسيلة لمواجهة ظاهرة الوسطاء غير المرخصين، والتي نأمل أن نراها تختفي نهائيا تلك الظواهر العشوائية داخل القطاع العقاري.

نتجت مشاكل كثيرة بسبب تفشي ظاهرة "الوساطة غير المرخصة" وغير القانونية، وما زالت للأسف موجودة بمجتمعنا، وما زالت تُسيء إلى سمعة سوق القطاع العقاري بصفة خاصة، وهناك قضايا كثيرة ما زالت عالقة ومتداولة في المحاكم، وأبرزها قضايا النصب والاحتيال والتى تتفشَّى بطريقة مخيفة جدا، فضلا عن الفوضى والعشوائية في التلاعب بأسعار العقارات والتسويق للإعلان عنها في وسائل التواصل الاجتماعي بغير ترخيص ولا صفة قانونية؛ الأمر الذي أدى لعزوف الكثير من أصحاب العقارات إلى اللجوء لأصحاب الاختصاص وهم الشركات والمكاتب المرخصة من قبل الحكومة وأصحاب الخبرة الذين لهم باع طويل في سوق القطاع العقاري ومساهمين في عملية تطور القطاع العقاري عِوَضًا عن أنهم يتكبدون مبالغ كبيرة من إيجارات ودفع رسوم ترخيص مزاولة الوساطة العقارية للوزارة المعنية، فضلاً عن رسوم وتراخيص الجهات والمؤسسات الحكومية الأخرى ومصاريف مكتبية أخرى.

ونص المرسوم السلطاني رقم 91/2010، المادة (10)، على نظام للمساءلة التأديبية في حال مخالفة الوسيط العقاري للشروط الواردة في القانون؛ بحيث ستكون هذه العقوبات رادعة وتنص "على عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على 3000 ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يزاول مهنة الوساطة بمقابل في المجالات العقارية دون أن يكون مرخصاً له في ذلك، كما يعاقب بغرامة لا تزيد على 1000 ريال عماني كل من يرتكب مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون من المشتغلين بالوساطة في المجالات العقارية المرخص لهم في ذلك.

في حالة تكرار المخالفة للمرة الأولى، يجوز بالإضافة إلى الغرامة وقف المخالف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على ستة أشهر؛ فإذا تكررت المخالفة بعد ذلك جاز الحكم عليه بحرمانه من مزاولة المهنة نهائيا وسحب الترخيص الممنوح له، وشطب قيده من السجل الخاص بالوساطة في المجالات العقارية.

كما نصَّت قوانين أخرى من جهات حكومية حول ضوابط لمواجهة الإعلانات العشوائية بما فيها العقارات ومنها الإعلانات الإلكترونية.

سوق القطاع العقاري بالسلطنة كغيره من الأسواق الأخرى يواجه تحديات كبيرة بلا شك، خاصة فيما يتعلق بعملية مزاولة مهنة الوساطة العقارية وعدم تنظيمها وتفعيلها على أرض الواقع، الأمر الذي أثر وبشكل سلبي وكبير في تدهور أسعار الأراضي والعقارات، فالتخبط في أسعار إيجارات الوحدات السكنية والتجارية والصناعية والسياحية فضلاً عن الأراضي بشتى أنواعها وأشكالها، سببه الأول عدم ضبط ومحاسبة المتسبببن فيها سواء الوسطاء أو المستثمرين أو العاملين بالقطاع، علاوة على عدم القضاء على هذه الفئة من الوسطاء المجهولين وغير المرخصين؛ الأمر الذي أدى إلى تعمُّدهم إثارة الشائعات والأخبار المضللة، والتي أدت إلى عدم استقرار أوضاع السوق، بل وزعزعة ثقة المستثمرين في السوق العقاري، وبالتالي أصبحت الآن الحاجة ملحة جدا إلى الإسراع بتطبيق وتنفيذ مواد القانون الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91/2010 الذي قد يحد من ظاهرة "الوسطاء والتجار غير المرخصين".

ونؤكد وجود شركات متخصصة ومكاتب عقارية ثبتت جدارتها وكفاءتها خلال الفترة السابقة، ولها إسهامات في العملية التنظيمة للقطاع العقاري بما فيها "الوساطة العقارية"، وهي تعمل بفاعلية في تطور ورفع الوعي الاستثماري بالقطاع العقاري بناءً على أسس ومعايير اقتصادية متطورة بعيدة كل البعد عن الفوضى والعشوائية وتعمل أيضًا على متابعة أسعار العقارات والحد من تضخمها، وهذه المؤسسات العقارية تتمتع بثقة كبيرة من قبل المستثمرين والحكومة وبإدارة متخصصة بالقطاع العقاري وبنسب تعمين قد تصل إلى 100%.

وتنفيذ هذا القانون هو الحل الأنسب لإعادة السوق العقاري بشكل صحيح، وتفعيل الأطر التنظيمية التي تضمن عدم التلاعب بالأسعار من قبل "الدخلاء والمجوهلين وغير المؤهلين وغير المختصين، وتفعيل الضوابط والعقوبات الرادعة حول مزاولة أعمال "الوساطة العقارية".

 

* الرئيس التنفيذي لشركة دنيا المال العقارية