الإثراء السياحي

 

 

مدرين المكتومية

المميزات السياحية التي تزخر بها بلادنا قلَّ أن تجد لها مثيلًا في دولة أخرى، خصوصا في منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. أجواء ساحرة، وطبيعة خلابة، وجبال شامخات، وبحار ممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وعيون مائية تتدفق في ربوع الوطن، وأفلاج تروي كل شبر في ولايات بلادي، فضلا عن الميزات الموسمية الأخرى كـ"خريف صلالة" الساحر، جميعها مقومات إذا أُحسن استثمارها وتوظيفها التوظيف المثالي ستنقلنا إلى مستوى تنموي واعد عنوانه "الثراء السياحي".

والآن ونحن نشهد ذُروة موسم الخريف في صلالة، وبدايات تشكل خريف الشمال بفعل الأمطار والأودية التي شكَّلت لوحة طبيعية بديعة، يحق أن نصوغ تطلعاتنا بشكلٍ مشروع، لتعزيز نمو قطاعنا السياحي، لكنَّني في هذا المقال سأقتصر فقط على السياحة في ظفار؛ فلدينا ما يزيد على ثلاثة أشهر في الفترة من 21 يونيو إلى 21 سبتمبر، كفيلة بابتكار الكثير من المناشط والفعاليات السياحية التي يمكن القيام بها من أجل تعزيز السياحة المحلية.

لا يجب أن نطالب الجهات المعنية بتنظيم فعاليات ترفيهية أو إقامة منشآت بعينها؛ فمجرد الاستمتاع بالطبيعة الخلابة التي لا مثيل لها في منطقة الخليج، ولا مثيل لها في عُمان قاطبة، يمنحك وحده أجمل شعور، فما فائدة تنظيم فعاليات ترفيهية دون الاستمتاع بالمقومات السياحية الطبيعية التي تزخر بها هذه الأرض الطيبة.

لا أُنكر أنَّ الفعاليات الترفيهية تُسهم وبدور كبير، لكن لا ينبغي أن يكون جل اهتمامنا هو إقامة الفعاليات، فهذه يمكن تنظيمها في مركز تجاري أو مول أو في أي ولاية، الأهم أن يكون لدينا جانب الاستمتاع وهنا، أرى الفرصة سانحة لجميع رواد الأعمال في قطاع السياحة من خلال إقامة مشروعات سياحية صغيرة ومتوسطة، لا يشترط أن ننشئ فندقا كبيرا -وهو مطلوب بلا شك- ولكن الأهم من ذلك أن يجد السائح من يساعده في التعرف على المحافظة ومعالمها الشهيرة، وهو واجب المرشدين السياحيين، أيضا من ضمن الأمور التي يمكن لرواد الأعمال في القطاع السياحي القيام بها: تنظيم الرحلات؛ فتنظيم الرحلات للسائح، خاصة الذي يأتي صلالة لأول مرة، عبر برنامج متكامل له، سيمنحه الشعور بالمتعة أكثر مما لو كان سائحا دون وجهة، فقط يمشي يسارا ويمينا، شمالا وجنوبا، من أجل التعرف على المدينة.. إنها فقط مجرد أفكار ستكون مردوداتها واعدة على القطاعين: ريادة الأعمال والسياحة.

وما إذا انتقلنا لنقطة أخرى؛ وهي: سياحة المؤتمرات، فإنَّ تعزيز هذا النوع من السياحة خلال موسم الخريف سيدعم الحركة السياحية وينشط القطاع الاقتصادي، ويعزز القوة الشرائية للمستهلكين، فتنظيم أي مؤتمر لا سيما على مستوى خليجي أو دولي، سيعود بالنفع على القطاع السياحي في ظفار، فضيوف الفعالية سيمكثون في الفندق لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، وسيسعون للتسوق وسيعملون على زيارة المواقع السياحية، وسيعودون للكتابه عنها، إما على وسائل التواصل الخاصة بهم، أو عبر وسائل الإعلام إن كانوا من الزملاء الإعلاميين والصحفيين، وهو ما يعد مكسبا آخر وترويجا مجانيا لمحافظة ظفار، وهذا الترويج المجاني لا يجب أن نستهين به، بل علينا أن نستفيد منه قدر الإمكان؛ فالكثير ممن يروجون لأي مدينة سياحية ما في أي دولة لم يزوروها إلا مرة واحدة، ولكن بفضل تجربتهم وخبرتهم في هذه الرحلة السياحية استطاعوا أن يتحدثوا بإيجابية عن المدينة التي زاروها.

ومن هنا.. فإنني أدعو المسؤولين والمعنيين في محافظة ظفار إلى تنظيم رحلات سياحية للإعلاميين من خارج السلطنة، لأن هؤلاء هم السفراء الحقيقيون الذين يمكن أن نعتمد عليهم في الترويج السياحي، فلنا أن نتخيل استقدام عدد من الإعلاميين والصحفيين، خاصة المشاهير منهم، إلى محافظة ظفار من مختلف دول العالم، لوفد يتألف من 50 صحفيا، ونعرفهم بمعالم المدينة، ويا حبَّذا لو نعطيهم مواد فليمية وصورا فوتوغرافية، ومقالات صحفية ينشرونها في وسائل إعلامهم، بلا شك فإن كل ذلك سيعود على السياحة بعوائد إيجابية، وسنحقق الإثراء السياحي الذي عنونت به هذا المقال.

... إن "الإثراء السياحي" ليس مجرد حديث عن إجراءات لتعزيز النمو السياحي من خلال إقامة فنادق أو مجمعات تجارية أو ترفيهية أو تنظيم حفلات، ولكن الإثراء الحقيقي أن نستطيع أن نمنح السائح شعورا بأنه يخوض تجربة سياحية فريدة من نوعها، لا يهم أن يمكث في فندق خمس نجوم، ولا أن يتسوق بمركز تسوق مليء بالماركات العالمية، ولكن الأهم أن يرى بعينيه ويلمس بيديه ويشعر بقلبه روعة هذه الطبيعة الساحرة.

وختاما.. على رواد الأعمال أن يقودوا هذه المبادرة، ويعملوا جاهدين لإثراء السياحة دون توقف أو انتظار أن تقوم الحكومة بكل شيء، وعليهم أن يبادروا بالمساهمة في الدفع بالاقتصاد الوطني الذي يستهدف من خلال رؤيتنا المستقبلية 2040 تعزيز النمو السياحي والنهوض بالقطاع؛ كي تكون عُمان ضمن أفضل الوجهات العالمية والإقليمية، إن لم تكن الأولى في الجذب السياحي.