عُمان والعرب البائدة

 

 

عبدالعزيز السعدي

 

ينقسم العرب إلى ثلاثة أقسام؛ هم:

- العرب العاربة: وهم عرب الجنوب، وعُرفوا بالقحطانيين نسبة إلى قحطان بن عاثر.

- العرب المُستعربة: وهم عرب الشمال، وعُرفوا بالعدنانيين سكان الحجاز، وهم بدو رُحَّل عُرفوا باسم "أهل الوبر"، وينتسب العدنانيون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

- العرب البائدة: وهو إطار البحث فسُمُّوا بذلك لأنهم أُبيدوا ولم يصلنا شيء من آثارهم، إلا ما ذُكر في القرآن الكريم (الشيخ، العرب قبل الإسلام، ص69)، وأشهر قبائلهم: عاد وثمود وطسم وجديس. وارتبط ذكر قوم عاد بعُمان بشكل ُمباشر؛ لأنه يُعتقد أنهم سكنوا عُمان قديمًا، فقد كانت منازلهم بالأحقاف في صحراء الربع الخالي من عُمان، وقد وصفت القبائل المعاصرة لقوم عاد بأنهم جبارين في الأرض (السيابي، الوجيز في التاريخ العماني، ص7)، وهذا ما برهن عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: "وإذا بطشتم بطشتم جبارين" (سورة الشعراء، الآيات 128- 130).

يُحدد الحموي موقع الأحقاف بقوله: "هي جمع حقف من الرمل، والعرب تسمي الرمل المعوج حقافاً، والأحقاف المذكورة في القرآن تقع بين عُمان وحضرموت" (الحموي، معجم البلدان، ج1، ص115)، ويؤكد المؤرخ ابن الأثير هذا الأمر بقوله: "وكانت مساكن قوم عاد بين عمان وحضرموت والشحر" (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ص65).

كما ورد ذكر عاد في تاريخ بطليموس، وأنَّ اسم عاد مقرون باسم إرم في كتب اليونان، فهم يكتبونها "أدراميت" (مهران، دراسات تاريخية من القرآن الكريم في بلاد العرب، ص243).

أمَّا عن عبادة قوم عاد، فقد كانوا أهل أوثان، ولهم ثلاثة أصنام رئيسية؛ هي: صداء، وصمود، والهباء، وكان أشهر ملوكهم شداد بن عاد (العوتبي، الأنساب، ص84)، والذي تميز بقوته وجبروته كما أنه له أعمال عديدة في الجوانب المعمارية على حد وصف القزويني (القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ص17).

 

قوم عاد ونفوذهم في عمان

يُقال بأن عاد المذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى: "ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد" (سورة الفجر، الآية 7 إلى الآية 8) هي عاد الأولى، وتُنسب إلى عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، أرسل الله إليهم نبيه هود عليه السلام، ويوجد في الحدود مع جمهورية اليمن وادي يقال له: (برهوت) بالحميرية، ويعني بر هود؛ حيث إن الدال تنطق في الحميرية بلفظ التاء، وذلك دليل على تواجد قوم عاد الأولى والثانية في عمان (الخروصي، تاريخ عمان بين التاريخ والآثار والجيولوجيا، ص 80- 90)، كما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى "وأذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة" (سورة الأعراف، الآية، 74).

وبذلك تكون قوم عاد هي أول الأمم التي قامت بعد الطوفان الكبير في عهد نبي الله نوح عليه السلام، إلا أن مناطق نفوذهم لم يتم تحديدها، ويمكن الظن بها من خلال المصادر التاريخية والأثرية، ولكن هل عاد هي أول الأمم التي قامت بعد الطوفان وسكنت عمان؟ القول هنا بأن السومريين هم أول من سكن عمان، وفي الحقيقة الجواب محير مع العلم بأن الطوفان ورد في النصوص السومرية القديمة، ومن ضمنها وثيقة تحتفظ بها المتاحف البريطانية (الخروصي، التاريخ، ص82).

وعلى هذا، فإنَّ العرب البائدة من قوم عاد هم أول من عَمر عمان، وهم الذين أنشأوها.

 

الدلائل على أن عُمان هي أرض عاد:

وفقاً لمجموعة من الأدلة، يمكن القول بأنَّ عُمان هي أرض قوم عاد؛ ومن تلك الأدلة:

1- ما ذكره المؤرخون العرب من أن قوم عاد مسكنهم بين عمان واليمن، على الرغم من غلو بعض المؤرخين ليصفوا مساكن عاد بالقرب من بلاد الشام، وهو قول مردود عليه حيث لبس عليهم لفظ إرم وأرام (الأراميون).

2- تشير المعالم الأثرية للتلال الجنوبية من ظفار إلى أنها كانت مسكناً لقوم عاد الثانية في أرض الأحقاف التاريخية، فعلى بعد 50 كيلومتراً إلى الشمال من ولاية صلالة، عثر على عدة مواقع تضم مجموعة من المعالم الأثرية؛ أهمها: بقايا مستوطنة تتكون من 20 مبنى على شكل دوائر حجرية، ومجموعة متنوعة من النقوش والكتابات الصخرية، كما تشير الدراسات ونتائج التحاليل المجهرية للأدوات المصنوعة من حجر الصوان، والتي تمَّ العثور عليها في مناطق مختلفة من محافظة ظفار، إلى أنها كانت تستخدم لنحت وصناعة أعمدة من أخشاب الأشجار، ووجدت هذه الأحجار الصوانية بشكل كبير في التلال والمناطق المرتفعة، وتؤكد هذه الدلائل على انتشار الأعمدة الخشبية في مناطق مختلفة من أرض الأحقاف (مجموعة من الباحثين، تاريخ عمان عبر الزمان، ص 40-41)، قال تعالى: "وعاد وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم" (سورة العنكبوت، الآية: 38).

من الأدلة السابقة يمكن أن نتيقن قطعياً بأن عُمان هي أرض عاد، وباستنادنا إلى هذا الأساس فإنَّه يُمكن الاعتماد على هذا المبدأ في حل الكثير من الألغاز التاريخية، كما يتضح أن عُمان هي من أوائل الدول التي قامت بعد الطوفان العظيم.

 

نهاية قوم عاد

يذكر لنا القرآن الكريم أن عاد هَلكت بريح صرصر عاتية، وأنها استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام فأهلكت عادا عن بكرة أبيها، قال تعالى: "كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر" (سورة القمر، الآيات 18-20). لقد رأى القوم سحابة تقترب منهم، حاملة العذاب لهم، واستمرت هذه السحابة ثمانية أيام أدت إلى تكدس أطنان الرمال فوق مساكن قوم عاد في الأحقاف، ودفنت الناس أحياء تحت الرمال، وبذلك انتهى وجود قوم عاد، الذين صنفوا من العرب البائدة الذين لم يبقَ لهم أثر (يحيى، الأمم البائدة، ص83).

تعليق عبر الفيس بوك