أنتم ملح الأرض.. أهلا بكم في ظفار

 

علي بن سالم كفيتان

ارتبطتْ ظفار بمُخيلة كل عُماني، فهي ذلك المكان الحالم الجميل في عمق الوطن، الذي تُشد له الرحال سنويًّا من كل حواضر بلادنا وقراها، وحتى حللها الصغيرة النائية، فهم يشكلون السواد الأعظم لتنشيط الحركة السياحية الموسمية في ظفار من واقع الأرقام والإحصائيات. ومن هنا، نبعث لكل الآباء والأمهات الذين يقتطعون من دخلهم البسيط، برسالة حب ووفاء على تضحياتهم لإسعاد أسرهم، وتكبد عناء الوصول إلى دُرة التاج العُماني ظفار المتلألئة بزهو ثوبها الأخضر.

لقد افتقدتْ العيون والسهول والوهاد ابتسامات الأطفال وصيحاتهم البريئة الطاهرة، ونظرات عيونهم الصادقة خلال عامي الجائحة، وكأنَّ الأرض تسأل عمن أَلِف زيارتها؛ فأهلا بكم من كل عُمان، تسعدنا رؤيتكم ونأنس بشوفتكم، لنعيش معًا سويعات من الدفء العُماني الخالص، فتصبح ظفار ملتقى سنويًّا لكل أبناء الوطن ورمزية للتلاحم والحب والوفاء؛ فكم تسعدنا أخلاقكم العالية وبساطتكم اللامتناهية، وحرصكم الكبير على ظفار جميلة وزاهية ومتألقة، التي نهرب إليها جميعًا لنذيب معاناتنا وجهادنا طوال عام بين غيماتها وعلى سفوحها الخضراء الممتدة، لنأخذ زادنا لعام قادم ونعود أدراجنا على أمل بعودة جديدة.

يا أبناء وطني، أنتم ملح الأرض؛ فبدونكم يظل المشهد غير مكتمل؛ فإذا لم تزدحم الشوارع والطرقات وتكتظ المزارات، ويزيد أزيز الطائرات القادمة والمغادرة، فلن يكون هناك مشهد سياحي في ظفار.. في بعض من اللحظات أراقب بعض الأسر العُمانية القادمة يمتطون سيارة قديمة، وأغراضهم على سطحتها، ومتكدسين في الداخل بشكل لافت، ومع ذلك عندما يترجَّلون منها يرسمون ابتسامات عظيمة كعِظَم الوطن، هؤلاء الصغار أخذوا صورة بصرية جميلة لعُمان، وعلموا أنَّ هناك قطعة من الجنة في بلادهم اسمها ظفار، وسيعودون إليها في كل مراحل حياتهم، وسيضحون بالغالي والرخيص لحمايتها. هنا ترتسم الصورة الإيجابية للخريف في الوجدان الوطني، والتي يجب علينا تعظيمها من خلال تسهيل الوصول وجودة الخدمات وتقديم التسهيلات والعروض الترويجية لأبناء عُمان البسطاء، لكي ينعموا بوقت أفضل وظروف مهيأة لبقائهم لفترات أطول في ظفار.

إذا نظرنا للمشهد هذا العام، سنجد فيه تغيُّرا نمطيًا في توزيع خارطة المناشط لمهرجان ظفار، والذي كان مطلبًا منذ أعوام سابقة، وبلا شك هذا الإجراء قلل من الزحمة المتوقعة، وخلق انتعاشا نسبيا لعدة مناطق في المدينة، فتم تفعيل الحدائق والمتنزهات، وإيجاد ساحات ومناشط مفتوحة امتصَّت وقتَ الذروة المتوقعة للسياح، ورغم ما قيل عن مشروع الحافة، إلا أنَّ الجهد الذي بُذِل وفي وقت قياسي لتوفير بعض المرافق المتنقلة قد أوجد ارتياحًا عامًّا لدى الزوار، خاصة القادمين من خارج السلطنة، وهذا كان واضحاً من خلال تغطياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فرغم بساطة المكان إلا أنه كان مؤثراً بشكل كبير؛ فقد استوقفتني سيارة اللاندروفر الخضراء القديمة، ودكاكين تحمل شيئًا من رائحة الماضي العريق لظفار، رغم بساطة الإنشاءات؛ ففي الغالب السائح لا يبحث عن العمارات الزجاجية والشوارع المزدحمة؛ فهو في الأصل هرب منها، وهذا المشهد قد يُشجع الجهات القائمة على تطوير السياحة في المحافظة على تطوير أسواق تقليدية أخرى؛ مثل: سوق مرباط الشهير المدعوم بظهير ثقافي زاخر، وأناس يحبون الآخر، والأمر ذاته قد ينصب على الأسواق القديمة في ولايات ساحلية وصحراوية أخرى كسوق ثمريت الشهير.

إذا ما أردنا تطوير المحافظة كوجهة سياحية إقليمية ودولية، ففي بداية الأمر يجب التقليل من النظرة التشاؤمية المُفرطة التي طفت على السطح، والتنمُّر غير المسبوق لرواد مواقع التواصل الاجتماعي ضد كل شيء، ومنح الثقة الكاملة لمن أُوكِلت لهم الأمور، ليعملوا؛ فهذا يؤسس لمناخ غير مشحون في عملية التطوير والتحديث، ويُقلل من المواجهة المحتدمة بين الطرفين؛ فالمسؤول الخائف أو المُتردِّد لا يستطيع الإقدام على خطوات بعيدة المدى، بل يتم حشرُه فيما بات يعرف بزاوية الفعل ورد الفعل، وغالباً ما تضيع الكثير من الأمور في خضم هذا الصراع الوهمي؛ فكثير من الناس اليوم للأسف ينتقدون لكنهم لا يقدمون حلولا، وهذه معضلة مستفحلة في أوساطنا، وربما يكون فيها جانب متعلق بالجنوح للتشهير بالمسؤول أو المؤسسة نتيجة للإحباط العام من قضايا متراكمة كالتوظيف وتراجع مستوى دخل الفرد وزيادة الرسوم...وغيرها؛ فمن غير العدل أن يستحضر الشخص هذا المشهد التراجيدي، ويسقطه على مؤسسة تعمل ليل نهار لتقديم الأفضل حسب طاقتها وإمكاناتها الممنوحة لها.

وحفظ الله بلادي ...،