هل التحول من القضاء المزدوج للقضاء الموحد يخدم العدالة؟ (2-2)

 

 

عبدالمجيد بن يحيى الراشدي *

ماذا عن أهم مميزات القضاء المزدوج كقضاء مستقل؟ يكون أكثر قدرة على رقابة أعمال الإدارة لوجود المتخصصين من القضاة لأعمال الرقابة على أعمال الإدارة، والتخصص يولد الجودة والتميز.

وغالباً ما قيل من ميزة لدى نظام وجدت في المقابل كعيب في النظام الآخر، وبرأيي أنا ككاتب المقال أنَّ كل ما قيل من ميزة أو عيب خاصة عن طريقة عمل كل نظام واختصاصه بشكل خاص فيما يتعلق باختصاص المحاكم، برقابة أعمال الإدارة، فإنَّه يمكن أن يُحل عن طريق سن قانون يحدد بدقة اختصاصات القضاء في هذا الشأن، وكلما كانت تلك الاختصاصات شاملة لكل القرارات الإدارية دون استثناءات ولكل القرارات المتعلقة بالشؤون الوظيفة لكل من ينطبق عليه وصف الموظف العام -المدنيين والعسكريين- والذي سيعزز فكرة حماية الحقوق والحريات الفردية من تعسف الإدارة من سلطتها في سبيل أداء دورها وسبب وجودها، فإنه يُحقق المصلحة العامة، وفي المقابل فإن التضييق في تلك الاختصاصات وتقييدها وكثرة الاستثناءات هو ما يضعف دور القضاء الإداري في قدرته على إحكام رقابته على عمل الإدارة.

وبالنسبة للمتقاضين، فالأمر يبدو سيَّان لهم؛ سواء كانت الجهة القضائية التي ستتولى الرقابة على أعمال الإدارة مستقلة أو مندمجة، مادام أنَّ الرقابة ستشمل كل نواحي أعمال الإدارة، وسيتولاها قضاة متخصصون في هذا المجال؛ كون القضاء الإداري ذا طبيعة خاصة مختلفة عن القضاء العادي ومن يتولاه لا بد له أن يكون مارسه بشكل متخصص؛ لأن الأمر متعلق بالمبادئ والسوابق القضائية في الدول التي سبقتنا في هذا المجال، وأولهم مصر وفرنسا، والضرورة من متابعتها.

وأمَّا بالنسبة لي، وكذلك أجزم لكل المشتغلين بالقضاء الإداري، فإن نظام القضاء المزدوج هو الأفضل لتمكين القضاء من رقابة أعمال الإدارة وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم، نظرا لأنه السبيل لتحقيق المبتغى من وجود القضاء الإداري هو العدالة، والتي ستتحقق بشكل أفضل في ظل القضاء المزدوج؛ نظرا للاستقلالية التامة له عن الإدارة، وعن القضاء العادي، ولما يحققه هذا النظام من التخصص العميق في مجاله، وكانت محكمة القضاء الإداري على مستوى عال مشهود له بالكفاءة من أعضاء وإداريين، وكم وجودة الإنجاز في البت في الدعاوى خير شاهد على ذلك، ويعد من أفضل المستويات في الوطن العربي، وكان يتم في وقت مناسب جدًا ويتناغم مع ضرورة استقرار المراكز القانونية وعدم إطالة أمد النزاع، والإشادة بأحكامها كانت حاضرة ورقابتها كانت فعَّالة.

والسؤال الذي يسأل الكل عن إجابته: هل التحول من القضاء المزدوج إلى  القضاء الموحد في صالح العدالة أم لا؟ وقبل الإجابة وبالنظر إلى وضع القضاء العادي حاليا في عمومه وتأخير البت في الدعاوى ونقص عدد القضاء والمشاكل الأخرى، والتي بلا شك ستطال الدوائر الإدارية، فحتما لا يمكنها بعد دمجها أن تظل كما كانت وهذا بطبيعة الحال لا أظنه في صالح العدالة، وأرجو أن يثبت الزمن خطأ توقعي، كما أرجو أن يطال القضاء عموما تحديث وتطوير من كل النواحي القضائية بزيادة عدد القضاة وبالتأهيل المستمر للقضاة الوطنيين وتقليل الاعتماد على القضاة من خارج الدولة بخطة واضحة لمدة محددة، ولتكن خمس سنوات مثلا، ومن المهم جدا أيضا زيادة رواتب القضاة والحوافز المادية والمعنوية لهم، وبما أن التخصص يولد الجودة فإن توزيع القضاة للدوائر القضائية سيكون مُعتمدا على التأهيل النوعي المسبق للقاضي، وتأهيل كذلك الإداريين، وحوكمة الأعمال الإدارية للمحاكم بالاعتماد على الأنظمة الإلكترونية الحديثة.

 

* محامٍ ومحكم

تعليق عبر الفيس بوك